الأربعاء، 8 ديسمبر 2010

أستاذ محمد




.


النص ده من أصعب النصوص اللي كتبتها في حياتي
وهو مُهدى لأصدقائي محمود عابد وريهام سعيد
لإنهم السبب المباشر في الكتابة


.


.



لا أتصور أنَّ بإمكاني سرد ما حدث كما حدث
ولكنني سأحاول أن أروي حكايتكَ كما حدثت تماماً
ولا أعرف إن كنت سأتحملها للنهاية أم لا

بدأ الأمر في الصف الأول الثانوي
حينما قدمني لك مدرس اللغة العربية كي أقرأ القرآن في الإذاعة
لم أعرفك في هذا الوقت
أذهبُ للمدرسة مبكراً جداً وقلبي يدقُّ بسرعة كلَّما اقتربتُ من الميكرفون
كنت أخاف ألا أحسن القراءة وإلى الآن لا زلت أخاف

في السنة الثانية أصبحتَ أنت مدرس اللغة العربية
الذي يدرِّس لي ولأختي في نفس الفصل ( تانية تامن )
ليس بإمكاني أن أنسى ذلك المكان الذي تفتحت فيه حواسي للمرة الأولى
كان عطرُكَ يصلُ إلينا قبل أن تدخلَ المكان بدقائق
ينبهُنا إلى حضورك فنصمت جميعاً بانتظارك
كنتُ ولا زلت أحبُّ هذا العطر الخاص وأظلُّ أتلفَّتُ حولي كلما مرَّ بي
لازلتُ أتلفت حولي بحثاً عنك



اسمه كان ( محمد رضا فريد )
مدرس اللغة العربية بمدرسة الحواياتي الثانوية بنات
هذا الرجل أستاذي وأبي وحبيبي

لا أريد للانفعال أن يسيطر علىّ أحتاج عينين صافيتين كي أُُكملَ

كانت المرَّة الأولي التي أرى فيها مدرساً تمتلىءُ عيناه بالدموع حينما يقرأ
يحب الشِّعرَ بقوة ويلقيه بإحساسٍ وحضورٍ خاص
كنَّا نحفظ جميع النصوص حتى النصوص التي لا يطلبون منا حفظها
أحببنا اللغة العربية مثلما يحبها ذلك الجميل الذي تلمع عيناه دائماً

بوجهٍ مثلث وسمارٍ شهىٍّ دخلَ إلى أعماقنا بهدوء
كنا نحبه - أنا وأختي - ذلك الحب الذي لا يتكرر أبداً
الحب الذي يمتلىء بضياعٍ دافيء ولوعة ناعمة ... بسهرٍ طويل ودموع
لم أستطع الكلام بحضرته
كنتُ أتلعثمُ حينما أقفُ أمامه وأنسى ... أنسى كل شيء

أختي أجرأ مني قليلاً
فكانت تذهب لسؤاله وأنا أقف خلفها لأستمع
أو أنتظرها كي تحكي لي كل شيء...
كان يكتبُ الشعر وتوقف عن كتابته لأسبابٍ غير مفهومة

لا أستطيع إكمال الكتابة
هذه الحدوتة أكبر مني
لا يمكن كتابتها
كيف أكتب عن رجل انطبع بداخلي فصرتُ أبحث عنه
إلى الآن أحب كل من اقترب منه في الملامح أو الإحساس
وأحب الرجال الغارقين في العطر

كنتُ أحبه في الزمن الذي لم أحاول فيه تعريف الحب ...
نطفىء أنوار الحجرة - أنا وأختي - ونوقد شمعتين
نتصوره موجوداً بيننا ونحتفل معاً برأس السنة الجديدة

في الخامسة عصراً كان هناك طقساً يومياً لأم كلثوم ولمحمد رضا فريد
نكتب كيف التفَتَ إلينا وهو يقرأ جملةً ما في أحد النصوص
نحاولُ أن نربطَ هذه الجملة بحياته الخاصة
ونسجل عدد الابتسامات التي عبرت وجهه ونوعها وتعليقنا عليها
كنا نكتب بالتبادل حتى وصل عدد الأوراق المكتوبة عنه إلى 150 صفحة من الحجم الكبير
لا أتصور أن بإمكاني وصف رجلٍ آخر بدأب وبهجة كما حدث معه

كنَّا نحبه ، كنتُ أحبُّه
أستبدله بأبي وأحبه دون لومٍ
أغنيات أم كلثوم تمطرنا بالأجوبة وتوقظ داخلنا أشياءً بلا أسماء
المدرسَةُ كلُّها تعرف أننا نحبه .... لأننا نحبه

كان يتمنى أن ينجب بنتين مثلنا ويشاهد افتتاتنا به بحب
( انتوا شفافين أوي )
لم أكن أعرف معنى هذه الكلمة تحديداً
ولكنني كنت أظن أنها كلمة لطيفة تتحدث عن الصفاء غالباًَ

في هذه السنة عشتُ أجمل أيام حياتي إلى الآن
لم أعرف وفرة في المشاعر مثلما حدث لي حينما تدفق هذا الرجل في حياتي
لقد تطوَّر مستوانا الدراسي بشكلٍ مذهل وبجميع المواد
صرنا نذاكر لأجل أن يفرح بنا

في أحد الأيام كتبَت له أختي خطاباً بريئاً
تخبره فيه أنه لا يجب أن ييأس لأن الحياة ممتلئة بأشياء جميلة
ولأننا نتخذه رمزاً وقدوة لنا

لسببٍ ما كان خطاباً غرامياً أكثر منه رسالة دعم
كنا نتصور أن بإمكاننا مساعدته ... كان يأتي متعباً وتائهاً في هذه الأيام
أختي وقَّعَت الخطاب باسمينا معاً وأستاذ محمد سأل عن التي كتبت هذا الخطاب
أختي اعترفت أنها الفاعلة ... وأنا ابتسمتُ

هل يجوز كتابة ماحدث بعد ذلك
لا أعرفُ
أنا أنغرسُ داخل منطقةٍ داكنة ومؤلمة

بعد الحصة الرابعة في أحد الأيام
قال لها أريد أن أتكلم معك
ثم حكى لها حكايته مع الشعر كاملة
كيف بدأ الكتابة ولماذا تركها
لقد حكى لها الحدوتة التى انتظرناها طويلاً وأنفقنا سنةً كاملة في محاولة استنتاجها
ولكنه في آخر الحوار
قال: لا تخبرى أحداً بذلك
قالت: لن أخبر أحداً سوى غادة
قال: ولا حتى غادة .... لا اشعر أنني قريب منها مثلما أنا قريب منك
ولا حتى غادة

أختى نقلت لي جزء الحوار الأخير وتسبب ذلك في أول صدمة تلقيتها في حياتي
في المترو حاولتُ استنطاقها
منذ خرجنا من المدرسة وهي تتهرب
إلى أن واجهتني
قال : لا تخبري أحداً ولا حتى غادة
واصطدمتُ أنا بجدارٍ صخريٍ فجأة

كانت المرة الأولى التي أعرف فيها أننا اثنتين وأننا لسنا شخصاً واحداً
مررتُ باكتئابٍ شديد
أكثر رجل أحببته وأول رجل أحببته لم يشعر بي
( أكتشفُ الآن أنني أكرر هذه التجربة ببساطةٍ مذهلة )

توجدُ ثقوب بالحكاية لا يمكن رتقها
كنتُ أحاول أن أكتب بامتنانٍ إلى رجلٍ غيَّر حياتي
فوجدتني أعيد التعرف على نفسي

في السنة الدراسية التالية لم يكن هو أستاذ اللغة العربية لنا
مع ذلك كنا نراه كل يومٍ ونبحث عنه وننتظره
هذه السنة كانت تعيسةً جداً لأسبابٍ لا يمكنُ كتابتها هنا
كنا نتشبث بوجوده ضد الضياع
ولم يكن يصدقنا حينما نخبره أننا لا نذاكر دروسنا
بعدما انتهت السنة الدراسية وذهبنا إلى الكليه
كنا نأتي إلى المدرسة من وقت لآخر لنراه والمدرسات الجديدات ينظرن لنا باستهجان
كان يحاول أن يعلمنا أوزان الشعر وبحوره
ذهبنا مرتين أو ثلاث مرات قبل أن نتوقف عن زيارته

بعد شهرين وربما ثلاثة
جاءتنا مكالمةٌ غريبة تخبرنا أن محمد رضا مات ....
حادثة قطار الصعيد القديمة حرمتنا من أبينا مرةً أخرى
لم نصدق في البداية
بعدها ذهبنا للعزاء بالرغم من أننا الذين يجب عليهم تلقي العزاء

هذه الأيام ....
..

لا أرغبُ في دخولها الآن
يكفى أن أقول أنها كانت حالكة السواد ومريرة
لقد مات محمد رضا فريد قبل أن أنشر ديواني وأذهب إليه وأصرخ
( أنا نزلت ديوان .... أنا نزلت ديوان يا أستاذ محمد )


...

هنا تقرأون عن أبلة فاتن و ميس شذى


....



9 التعليقات:

أسوار القلب يقول...

لم أكن أحلم أن يعبر أحد ما عن قصة عمري بهذا الجمال ولنفس الشخصية مدرس اللغة العربية ذي العينين الحييتين والصوت الخفيض المعبر ووجهه الذي يحمر خجلا كلما جامله أحد وعشق الحروف الذي انعجن به وصوته المتهدج كلما قرأبيتا جميلا و......... صدمتي المخيفة بفراقه وقبلها بتجاهله المتعمد لحقيقة ما أشعربه إلا أنه بقي داخل روحي ولم تنزعه منها السنوات الطوال لأنني صرت أراه في كل سطر أدرسه بنفس الطريقة المحبة والولاء المطلق للغتي وله وللحب الذي سكنني
أثرتِ أشجاني ... تحياتي

عين فى الجنة يقول...

انا ايضا وقعت فى حب ابلة نادية مدرستى الرشيقة الجميلة فى المدرسة الابتدائية
لقد تذكرتها بسببك فشكرا

مهـــا يقول...

عاوزة آخدك في حضني دلووووقتييي

غير معرف يقول...

أنت تمتلكن حسانادرا جدا حينما تتركين منلوجك الداخلى يتدفق
وحين تعلقين يفلت منك النهر الهادر
"بعدها ذهبنا للعزاء بالرغم من أننا الذين يجب عليهم تلقي العزاء"

عفويتك أغنى كثيرا يا ست الحسن
تحية ومحبة

رانيا مسعود Rania Masoud يقول...

الله
على فكرة أ.محمد دا في منه نماذج كتيرة جدًا و على مدونتي كمان. أساتذة كتير كنا بنحبهم و بنتعلق بيهم بس حبنا لهم كان انبهار بشخوص كبار.أنا شخصيًّا لما كنت بشوف مدرساتي بيحطوا روج و بيبلسوا كعب عالي و بيتكلموا بصيغة و بلهجة معينة و نبرات صوتهم بتختلف من موقف للتاني، كان بيبقى نفسي أعيش عالمهم و أكون آنسة زيهم لابسة جونلة طويلة و كعب عالي و حاطة روج و بتكلم كلام الكبار. بس أنا كنت بتخيلك مع هبة و بتخيل أ.محمد و أنتم بتكلموه تمام زي ما بتخيل المدرسة بجدرانها العالية و شبابيكها اللي كل شباك يعمل ضلفة بلكونة في شقتنا. بفتكر كل تفاصيل المدرسة اللي كنت بلفها حتة حتة و بحاول أكتشف كل شبر فيها. المدرسة مش بس شخوص و مكان.المدرسة كانت حياة خاصة كنت بحلم أشوفها بعيون كل بنت وكل مدرس و مدرسة فيها.

ست الحسن يقول...

أسوار

إيه التعليق الدااااافي ده
لمستي قلبي بجد
وانبسط اني قدرت أشاركك مشاعرك ولو لفترة

بجد وجودك كان مفرح أوي
تسلمي

..........

راجي

ألف شكر لمرورك الجميل
وتحية من القلب لأبلة نادية الجميلة

تسلم

....

مها

تعرفي
محتاجة الحضن ده أويييييييييي

....

غير معرف

أولا شكراً جداً
ثانياً ملاحظتك في محلها أوي
ساعات التعليقات بتضعف التدفق
بس بصراحة أنا مببقاش مستحملة التدفق فبخرج وبارجع علشان أقدر أكمل
يعني التقطيع ده علشان المشاعر متسيطرش علىَّ أكتر للدرجة اللي مقدرش أكتب فيها

ببساطة باحتاج أفكر نفسي اني هنا مش هناك
بس دا ميمنعش انك عندك حق جداً
واني لما آجي أعمل مونتاج للنص ده ممكن أشيل منه حاجات كتييرة

بس بجد
نورت

تسلم

..........

رانيا

تسلمي يا رانيا
مبسوووطة انك علقتي على النص دا فعلاً
ومبسوطة انك كنتي هناك وشوفتي الراجل الجميل ده واتعرفتي عليه

بجد
شكراً

..

رانيا مسعود Rania Masoud يقول...

عايزة أوصف لك إزاي كان يوم وفاته على كل بنت ساعتها يا غادة في المدرسة
ليلاً نشاهد النشرة و نرى مناظر تتفطر لها القلوب
أنا و أخي و أمي و الجميع ينظر في اندهاشٍ لما حدث في القطار
أشلاءٌ مترامية البعض يغطيه الجرائد و الآخر لا
لكنني و كعادتي أنهار لرؤية الدماء
تظل الصورة عالقة في ذهني مثل صور كثيرة تعلق بالذهن رغم أنفي
في الصباح كعادتي
أحمل حقيبة المدرسة و أتوجه إليها و في الطريق أجد الكلاب الضالة تُحيطني مثل أي صبحٍ يمرُّ عليَّ لا أجد لأحدٍ همسًا و لا حسيسًا لينقذني من نباحهم حولي
أتجرأ و أخوضُ المعركة اليومية
أذهب مسرعةً إلى الفناء
يرن الجرس و تقف الفتيات في صفوفٍ مرتبة تمامًا مثلما كانت صفوفنا في كل يومٍ تصطف لكي ترضى عنا المديرة زينب أحمد إسماعيل أقوى امرأةً جلست على مقعد مدير لمدرسة الحوياتي الثانوية للبنات
تقف في شموخها المعتاد و تبدأ مدرسة التربية الرياضية في عملها اليومي
الجميع لا يشبهُ ما كان عليه من قبل في الطابور المدرسي
ماذا جرى؟
أستاذ إيهاب الذي تحكي عنه الفتيات دومًا و أستاذ محمد عبد العظيم و آخرون يبكون
يحاولون إخفاء الدموع التي لا يمكن إخفاؤها
و يزفون إلينا الخبر
خبر الوفاة
لا أصدق في البداية و لا أستطيع الربط في الذاكرة بين ما رأته عيناي بالأمس و ما أسمع اليوم صباحًا
مَن يا تُرى؟
سألتُ إحداهن فأجابت: أستاذ محمد رضا فريد
و مَن هو؟
لا أعرفه...
ربما كنتُ أعرفه فمنذ اللحظة التي وطأت قدماي فيها تلك المدرسة كنتُ أتمشى بين جنبات الفصول في أثناء قضاء يوم الحكم الذاتي و كنتُ أراه من خلف الزجاج و هو يقرأُ في الفصول و يتحدث
كانت كل ما كونته الذاكرةُ عنه أنه مغرورٌ
و بعدها
سألتُ عنه الفتيات
مَن هو؟
قُلنَ: إنه أ.محمد رضا فريد
يقولون إن الحجرة التي تقبعُ في قلب السلم الصاعد إلى أعلى طوابق المدرسة كانت له
و من بعدها آلت إلى الأستاذ إيهاب
في الطابور نفسه مازلتُ أسألُ الفتيات
كنتُ مندهشة
و بعدها ذهبتُ لأسأل مدرسة كانت تقف لتعرفني به:مَن هو؟
قالت:أ.محمد رضا فريد
تذكرتهُ الآن فبكيتُ بشدة
الآن أتذكره
أتذكر تلك المحاضرة التي كان يُلقيها في المكتبة
كان يومَ الحكم الذاتي أو ربما كنتُ قد تسللتُ في حصةٍ لأداعب الكتب التي ملأتها الأتربة على الأرفف
أراه بينهن ينتقد البنطال و يقول إنه تشبهٌ بلبس الرجال
تتواردُ إلى ذهني فكرة مناقشته في أنَّ الصحابة كانوا يرتدون الجلباب و الرسولُ كذلك فهل كانوا يتشبهون بالمرأة؟
أحبس كلماتي و يدقُّ جرس الانصراف إلى الحصة التي تليها
أريدُ أن أحدثه بما يدور في عقلي من مسألة
لكن الهيبة تلك التي تحيطُهُ تُرهبُني
تحبسُ في نفسي السؤال له
أجففُ دموعي التي انهمرت عليهِ بكاءً
و أتندم أنني لم أفصح له عما ورد في ذهني ساعتها.

رانيا مسعود Rania Masoud يقول...

عايزة أوصف لك إزاي كان يوم وفاته على كل بنت ساعتها يا غادة في المدرسة
ليلاً نشاهد النشرة و نرى مناظر تتفطر لها القلوب
أنا و أخي و أمي و الجميع ينظر في اندهاشٍ لما حدث في القطار
أشلاءٌ مترامية البعض يغطيه الجرائد و الآخر لا
لكنني و كعادتي أنهار لرؤية الدماء
تظل الصورة عالقة في ذهني مثل صور كثيرة تعلق بالذهن رغم أنفي
في الصباح كعادتي
أحمل حقيبة المدرسة و أتوجه إليها و في الطريق أجد الكلاب الضالة تُحيطني مثل أي صبحٍ يمرُّ عليَّ لا أجد لأحدٍ همسًا و لا حسيسًا لينقذني من نباحهم حولي
أتجرأ و أخوضُ المعركة اليومية
أذهب مسرعةً إلى الفناء
يرن الجرس و تقف الفتيات في صفوفٍ مرتبة تمامًا مثلما كانت صفوفنا في كل يومٍ تصطف لكي ترضى عنا المديرة زينب أحمد إسماعيل أقوى امرأةً جلست على مقعد مدير لمدرسة الحوياتي الثانوية للبنات
تقف في شموخها المعتاد و تبدأ مدرسة التربية الرياضية في عملها اليومي
الجميع لا يشبهُ ما كان عليه من قبل في الطابور المدرسي
ماذا جرى؟
أستاذ إيهاب الذي تحكي عنه الفتيات دومًا و أستاذ محمد عبد العظيم و آخرون يبكون
يحاولون إخفاء الدموع التي لا يمكن إخفاؤها
و يزفون إلينا الخبر
خبر الوفاة
لا أصدق في البداية و لا أستطيع الربط في الذاكرة بين ما رأته عيناي بالأمس و ما أسمع اليوم صباحًا
مَن يا تُرى؟
سألتُ إحداهن فأجابت: أستاذ محمد رضا فريد
و مَن هو؟
لا أعرفه...
ربما كنتُ أعرفه فمنذ اللحظة التي وطأت قدماي فيها تلك المدرسة كنتُ أتمشى بين جنبات الفصول في أثناء قضاء يوم الحكم الذاتي و كنتُ أراه من خلف الزجاج و هو يقرأُ في الفصول و يتحدث
كانت كل ما كونته الذاكرةُ عنه أنه مغرورٌ
و بعدها
سألتُ عنه الفتيات
مَن هو؟
قُلنَ: إنه أ.محمد رضا فريد
يقولون إن الحجرة التي تقبعُ في قلب السلم الصاعد إلى أعلى طوابق المدرسة كانت له
و من بعدها آلت إلى الأستاذ إيهاب
في الطابور نفسه مازلتُ أسألُ الفتيات
كنتُ مندهشة
و بعدها ذهبتُ لأسأل مدرسة كانت تقف لتعرفني به:مَن هو؟
قالت:أ.محمد رضا فريد
تذكرتهُ الآن فبكيتُ بشدة
الآن أتذكره
أتذكر تلك المحاضرة التي كان يُلقيها في المكتبة
كان يومَ الحكم الذاتي أو ربما كنتُ قد تسللتُ في حصةٍ لأداعب الكتب التي ملأتها الأتربة على الأرفف
أراه بينهن ينتقد البنطال و يقول إنه تشبهٌ بلبس الرجال
تتواردُ إلى ذهني فكرة مناقشته في أنَّ الصحابة كانوا يرتدون الجلباب و الرسولُ كذلك فهل كانوا يتشبهون بالمرأة؟
أحبس كلماتي و يدقُّ جرس الانصراف إلى الحصة التي تليها
أريدُ أن أحدثه بما يدور في عقلي من مسألة
لكن الهيبة تلك التي تحيطُهُ تُرهبُني
تحبسُ في نفسي السؤال له
أجففُ دموعي التي انهمرت عليهِ بكاءً
و أتندم أنني لم أفصح له عما ورد في ذهني ساعتها.

رانيا مسعود Rania Masoud يقول...

عايزة أوصف لك إزاي كان يوم وفاته على كل بنت ساعتها يا غادة في المدرسة
ليلاً نشاهد النشرة و نرى مناظر تتفطر لها القلوب
أنا و أخي و أمي و الجميع ينظر في اندهاشٍ لما حدث في القطار
أشلاءٌ مترامية البعض يغطيه الجرائد و الآخر لا
لكنني و كعادتي أنهار لرؤية الدماء
تظل الصورة عالقة في ذهني مثل صور كثيرة تعلق بالذهن رغم أنفي
في الصباح كعادتي
أحمل حقيبة المدرسة و أتوجه إليها و في الطريق أجد الكلاب الضالة تُحيطني مثل أي صبحٍ يمرُّ عليَّ لا أجد لأحدٍ همسًا و لا حسيسًا لينقذني من نباحهم حولي
أتجرأ و أخوضُ المعركة اليومية
أذهب مسرعةً إلى الفناء
يرن الجرس و تقف الفتيات في صفوفٍ مرتبة تمامًا مثلما كانت صفوفنا في كل يومٍ تصطف لكي ترضى عنا المديرة زينب أحمد إسماعيل أقوى امرأةً جلست على مقعد مدير لمدرسة الحوياتي الثانوية للبنات
تقف في شموخها المعتاد و تبدأ مدرسة التربية الرياضية في عملها اليومي
الجميع لا يشبهُ ما كان عليه من قبل في الطابور المدرسي
ماذا جرى؟
أستاذ إيهاب الذي تحكي عنه الفتيات دومًا و أستاذ محمد عبد العظيم و آخرون يبكون
يحاولون إخفاء الدموع التي لا يمكن إخفاؤها
و يزفون إلينا الخبر
خبر الوفاة
لا أصدق في البداية و لا أستطيع الربط في الذاكرة بين ما رأته عيناي بالأمس و ما أسمع اليوم صباحًا
مَن يا تُرى؟
سألتُ إحداهن فأجابت: أستاذ محمد رضا فريد
و مَن هو؟
لا أعرفه...
ربما كنتُ أعرفه فمنذ اللحظة التي وطأت قدماي فيها تلك المدرسة كنتُ أتمشى بين جنبات الفصول في أثناء قضاء يوم الحكم الذاتي و كنتُ أراه من خلف الزجاج و هو يقرأُ في الفصول و يتحدث
كانت كل ما كونته الذاكرةُ عنه أنه مغرورٌ
و بعدها
سألتُ عنه الفتيات
مَن هو؟
قُلنَ: إنه أ.محمد رضا فريد
يقولون إن الحجرة التي تقبعُ في قلب السلم الصاعد إلى أعلى طوابق المدرسة كانت له
و من بعدها آلت إلى الأستاذ إيهاب
في الطابور نفسه مازلتُ أسألُ الفتيات
كنتُ مندهشة
و بعدها ذهبتُ لأسأل مدرسة كانت تقف لتعرفني به:مَن هو؟
قالت:أ.محمد رضا فريد
تذكرتهُ الآن فبكيتُ بشدة
الآن أتذكره
أتذكر تلك المحاضرة التي كان يُلقيها في المكتبة
كان يومَ الحكم الذاتي أو ربما كنتُ قد تسللتُ في حصةٍ لأداعب الكتب التي ملأتها الأتربة على الأرفف
أراه بينهن ينتقد البنطال و يقول إنه تشبهٌ بلبس الرجال
تتواردُ إلى ذهني فكرة مناقشته في أنَّ الصحابة كانوا يرتدون الجلباب و الرسولُ كذلك فهل كانوا يتشبهون بالمرأة؟
أحبس كلماتي و يدقُّ جرس الانصراف إلى الحصة التي تليها
أريدُ أن أحدثه بما يدور في عقلي من مسألة
لكن الهيبة تلك التي تحيطُهُ تُرهبُني
تحبسُ في نفسي السؤال له
أجففُ دموعي التي انهمرت عليهِ بكاءً
و أتندم أنني لم أفصح له عما ورد في ذهني ساعتها.