الخميس، 23 مايو 2013

كنسُ العتمة - إبراهيم المصري وغادة خليفة




بيتُ النَّصّ
إلى: غادة خليفة




كنَّا سنرصف هذا الممشى الطويل إلى الصحراء، وثمة نخلةٌ في النهايةِ لا يراها أحد، لكن الجميع يحجُ إليها، ويعود بسعفةٍ أو سعفتين في جيبه.
ولا بأس إن لم ندخل الجنةَ بالسعف، فسوف نقضيها أمام شاشةِ بلازما، نرى عليها كيف نصطاد العصافيرَ بأنفاسنا، وهذا قد يعني أحياناً.. أنَّ النَّصَّ.. طحينُ أنفاسٍ تذروه الرياح، فنراه على الشاشةِ سربَ عصافير على شكل قصيدة، أو على شكل أن ندرِّبَ الأعناقَ على الغضب بنفخ أوداجها .

وإن أهملنا الفؤادَ لمشيئةِ عقاربِ الساعة، فلابد أن يكون ثلاثي الأجنحة، وهذا ممَّا تأباه الطبيعةُ، لكن يقبله النَّصّ، فما مِنْ خيالٍ إلا ويجلس بنهمٍ على المائدة، مُلتهماً كلَّ ما نحشو به فمه، حتى ولو حشوناه ببارجةٍ لها ذيلُ سنجابٍ، لن يتأفف، فالنَّصُّ مروقٌ بكلِّ ما يكسر أبوابَ الواقع، مُنفلتاً من هنا، وخارجاً من هناك،

ومَنْ يملكُ خيالاً كافياً، يمكن أن يلاحقه في تعدد الوجوه التي منها وجه الشاعر، وجه الرسام، وجه الفلاح، وجه المغني، وجه العازف، وجه العامل، وإن كان ما يعنيني هنا.. وجه الخبَّاز.. الذي:
إنْ أنسَ لا أنسى خبَّازاً مررتُ به
يدحو الرقاقةَ مثلَ اللمح بالبصرِ
ما بين رؤيتها في كفِّه كرةً
وبين رؤيتها قوراءَ كالقمرِ.

ونمجدُّ المهارةَ في رؤيةِ النَّصِّ.. قوراءَ كالقمرِ.. إن اعتبرناه كلَّ ما يأتي به الإنسانُ، وليس فقط أن ينكفئ على ورقةٍ ويكتب، وهي الحيلةُ الأقل دهشةً، إن وضعت الطبيعةُ يديها على خصرها كامرأةٍ فاتنة، وغمزت بحاجبها، لتجلبَ بالغمزةِ أعجوبةً، أو.. نصَّاً.. لانهمار المطر على شجرةِ تفاح،
تبدو الشمسُ خلفها غارقةً وفوقها مظلةٌ من غمام.


ولا بأس بالطبع أن نكتب، ونأتي بالنَّصِّ مفهوماً، لكلِّ سطرين نأمل منهما الرحمةَ، أو لكلِّ ملحمةٍ تخبرنا أنَّ الكونَ كان ماءً ترفرفُ عليه العتمة، وأنَّ واجبنا كنسُ العتمةِ بكلِّ نصٍّ ممكن، من كلمةٍ طيبة، إلى قطعةِ جاتوه طازجة، إلى فيلمٍ سينمائي، إلى لوحةٍ تشكيلية، إلى ابتسامة، إلى كوبِ شايٍ ساخن، إلى غرس وردة، إلى مقطوعةٍ موسيقية، إلى إزاحةِ العتمةِ عن الماء،
حتى نطلق مراكبنا الورقيةَ الملونةَ في جريانه إلى أرواحنا.


على أنَّ.. النَّصَّ.. ليس فقط، موجزاً للسعادة، بل هو الألمُ مرئياً بكل حاناته على الممشى الطويل إلى الصحراء، وإن قطعت شظيةُ زجاجٍ يخبئها الرملُ قدمَ عابرٍ إلى قدره، فلا نصَّ إلا الدم، مُتدفقاً من الشرايين إلى إرواء شجرةٍ، نندهش حينما نراها مورقةً على الرمل هكذا، وإن كانت أرواقها حمراء، فثمة أشجارٌ أوراقها حمراء.. سلعُ الطبيعةِ فاخرة، ولا أقل من أن تعبئها في أكياس النور، وتروج لها بتعدد الألوان، مثل أن يكون البحرُ يقطينةَ حلمٍ ممددةٍ بطول الشاطئ، أو نحن في قبضة شوكٍ يُدمي مرامينا، فلا ندرك من النِّصِّ سوى أنه.. قصدُ الحياة.. جاء لنا بالنوم، أو بسفينةِ نوح، تصعد إليها الأقوامُ الحيَّةُ والجامدة، وتحتنا.. الطوفان.

.......
إبراهيم المصري


____________________________


إلى إبراهيم



في حياتي السابقة كنت أنمو داخل صُندوقٍ مغلق،
يمتليءُ بالماء حتَّى حافته، ثمَّ يتناقصُ الماءُ ببطءٍ وبسرعة،
وكان عليَّ أن أواجِه موتي، ما بين زوال الماء ومجيئه مرةً أخرى،
لكنَّني تحرَّرتُ من مراقبة الماء، حينما بدأتُ كتابة أحلامي.


لم أعرف ماهو شكل العالم خارجَ البيت،
إلى أن اكتشفتُ الكتبَ،
الكتبُ مثل بنورةٍ سحريةٍ تعكسُ لي المستقبلَ الذي أطاردُه،
كنتُ سأغرقُ داخل ظلامي الخاص،
لولا كلَّ هذه الأوراق التي صنعَتْ خيالي.

رائحةُ حبر الطباعة تسكنُ ذاكرتي، مصحوبةً ببهجةٍ بريئةٍ وبدائية،
أتذكرُ مكتبات الفجالة وغنيمتُنا من الكتب التي نعودُ بها فرحين،
كلُّ هذه الكلمات المرسومة تغني، بصوتٍ أعلى من صُراخ أمي، ومن عصا المدرس
الكتب سَرَقت أعيننا، وذهبت بها إلى عوالم تشبهُنا وتقبلُنا دونَ شكوى
أين كنتُ سأذهب،
إذا لم تمسك الكتب كفي الصغيرة، وتأخذُني إلى المجهول.


كان الخجلُ يطاردُني، ويسلبُ منِّي الكلامَ بالكامل،
فكنتُ أكتبُ؛ كي أنتصرَعلى أعدائي في كل الأماكن،
ولأنَّ هزائمي تتكرر وتكبر؛ صارت كلماتي تنمو،
أكتبُ ما أعرفه عن العالم وما أحاولُ معرفتَه أيضًا.

خيالي الذي وَرثتُه عن أمي يتوحشُ، دونَ أن ينقذَني أحدٌ من سطوتِه عليَّ،
خيالي يشبه زوجة أبي الشريرة، التي تخبرُني أنَّ العالمَ لا يحبُّني
فقط كي أملأ الكراسات بالجمال الذي أملكه، ولا أصدق وجوده.

آلةُ العمل تنتقمُ من خيالي، وتعصرُ مشاعري،
والجميع يدفعونني باتجاه أي رجلٍ؛
كي أُعيدَ تعذيبِ طفلةٍ أخرى داخل بيتٍ مظلم،
أشاهدُ حياتي تتحركُ، وأنا أتجمَّدُ باتجاه كلِّ شيءٍ،
أحوِّلُ قسوتي إلى لوحة موزاييك عملاقة،
تسقطُ فوق رؤسهم جميعًا.

لم أتعلم كيف أصنع من حياتي فستانًا يلائمُني، ويشبهُ ألواني المتبدلة،
لكنَّني أحوِّلُ الطريقَ إلى كلماتٍ،                                                              
وأطبخُ كلَّ ما يحدثُ لي،
فيصيرُالألم إبرة حادة،
يمكنُها أن تُخيط تفاصيلي معًا.

....

غادة خليفة
مايو2013



















painted by: Joy Hester


.....

السبت، 18 مايو 2013

لا تشبه سعادتي ابتسامة مارلين مونرو





إلى آية





لا أعرف ما الذي أتي إلىَّ برسالتك
وسط لعبة أصبحت تعريني أمام ذاتي
أقرأ رسالتك مرة أخرى وأندهش
لماذا ترددين اسمي طوال رسالتك؟
كيف عرفتِ أنني أحب تكرار اسمي في الكلام

الكلام بيننا لم يطل أبدًا
لم أتعرف عليك كما ينبغي
لكنني أملك سيناريوهات وهمية تخصك
تأتي من المرة التي اتفقنا فيها سويًا أننا نجد رجلًا ما جميلًا
أنتِ أيضًا تذهبين إلى الحنان أينما وجد

لا أتذكر المرة الأخيرة التي كنت فيها أضحك لأني سعيدة يا آية
لا أتذكر كتالوج السعادة
سعادتي القديمة لا تشبه سعادتي الآن
لم أعد أطارد البهجة أو أذهب باتجاهها
أنا أمشي باتجاه نفسي وأنسى



لا تشبه سعادتي ابتسامة مارلين مونرو
لكنها تأتي إليَّ أحيانًا متنكرة في ابتسامة "ورد"
.
.
لا أعرف شكل سعادتي يا آية

أضحك بشراسة أحيانا
أو بقوة ممتلئة بالجاذبية مثل انفجار مفاجيء لأنوثة زائدة
في أحد الأفلام يخبر البطل حبيبته أن لها خمس ابتسامات مختلفة
وأنا أصدق أن لي ابتسامة تشبه السماء
يمكنها أن تصعد بي إلى الله

أريد أن أكتب رسالة أرقُّ من هذه
رسالة مطرزة بالأمل وبالثقة في البدايات الجديدة
لكنني لا أملك هذا البراح

تزعجني فكرة شفاء الآخرين يا آية
وأتصور أنّ لي طُرقًا في مداوة الألم
لكنني في كل مرة أندهش من النتائج
أغضب
لأنني لا أملك قوة إله
ولا أشفي الأسى بمجرد أن أراه


ماهي الكلمات التي تحتاجين إليها الآن
أحتاج إليكِ كي أكتب الكلمات المناسبة
هل توجد كلمات مناسبة أصلًا
هل يمكن للكلمات التي أكتبها هنا أن تتحول إلى حضن مثلًا
أو إلى شمس تلتهم البرودة والعزلة وتدفيء الوقت
يقولون أننا نكتب بدلًا من أن نعيش

مارأيك....
هل أكف عن كتابة الرسائل إلى الناس وأحضنهم فقط؟


.......





....
 

الاثنين، 13 مايو 2013

إلى محمد







حين أستيقظ مبكرًا أكون خارج طبيعتي قليلًا،
في التاسعة صباحًا تبدأ أحلامي في الظهور،
لكنني أغادرها لأجل أن أذهب إلى مارثون الكتابة،
بنظرة واحدة اكتشفتُ أن المكان سيكون بطل حكايتي.
نورالشمس يردني إلى ذكريات بعيدة،
لا أحمل صورًا واضحةً عنها.


هناك أوقات أتظاهر فيها بأنني نفسي،
أحب الشمس فعلًا، لكنني أحيانًا لا أشعر بشيء،
وأتظاهر بكوني نفسي؛ كي أجذب إليَّ الآخرين.

في هذا اليوم كان من المفترض أن لا أشعر بأي شيء، لكنَّ الشارع الخالي في صباح الجمعة ردَّ إليّ مشاعري.
لم أكن أتظاهر بمحبة الشمس إذن، كنت أحبها دون أن أحاول إعلام الآخرين بذلك.
أجلس وسط دائرة من الغرباء/الزملاء وأتسائل لماذا أتيتُ إلى هنا أصلًا ؟


بدأتُ الكتابة
كتبتُ الكلمة الأولى وشددت الخيط بعد ذلك
لم أكن معنية بجمال ما أكتبه أو جودته، قلت لنفسي سأكتب فقط مثلما ألعب بالألوان دون هدف.

البنت التي تجلس جواري كانت تملك دائرة تلمع حول عينيها،
وبدت كأنها تنظرإليَّ ولا تراني،
بدأت تكتب بالفلوماستر، ثم بعد انتهاء اللعبة الأولى طلبت مني أن أقرأ بدلًا عنها،
أحبُّ الإلقاء بشكلٍ خاص، وبالصدفة تجلس هي بجواري وتطلب مني أن أقوم بما أحبه.

ما أحبه أكثر هو التعرف على الناس،
معرفتهم حقًا،
هذا لا يشبه الثرثرة القصيرة في المقهى، ولا يشبه التعليقات المشتركة على الأعمال الأدبية في الندوات، ولايشبه تبادل الرسائل الطويلة على الفيس بوك.

أتجول في المكان وأتكلم معك عن الكتابة،
أحكي لك عن لعبة الرسائل، وأطلب منك أن تكتب معي رسالة،
أفكر...."سيراها فكرة ساذجة، وغالبًا لن يرغب بمشاركتي الكتابة"
ما كان مدهشًا حقًا أنك كتبت الرسالة في اليوم نفسه، وقرأتها أمام الجميع، كنت تقرأ وأنا أضحك مثل طفل تلقى هدية مفاجئة.

في آخر اليوم ذهبنا جميعًا إلى المترو، وكنتُ أحكي لك عن صديقي الذي يتصرف معي بطريقة لا أفهمها، فأجبتني بما أطلق ضحكة طويلة وعالية من داخلي.
هنا بدأت في التعرف عليك
وهنا وصلنا إلى سلم المترو


لا أرغب بكسر الحواجز بيني وبين الناس يا محمد،
أرغب في القفز عليها، كسر الحواجز داخلي استهلك عشر سنواتٍ وربما أكثر،
أضع قلبي مفتوحًا أمام النافذة تحت الشمس، وأغنِّي
أقترب من الناس ببساطة شديدة، قلبي معروض داخل فاترينة مفتوحة بإمكان أي شخصٍ أن يلمسه، لكنهم لا يعرفون أنه غير متصلٍ بي.
أنا أحكي لرجلٍ أقابله للمرة الأولى مثلما أحكي لحبيبي،
لا توجد مرة ثانية ،
لانملك إلا مرة واحدة كي نترك علامتنا.

لكنَّ ما أكتبه الآن لا يناسب كل الغادات
إحداهما تخبرني بأنها عطشى إلى الونس؛ لذلك تحكي مع الجميع،
والأخرى تخبرني بأنني لا أختار الناس الذين أحكي معهم، إنهم يأتون إليَّ في ميعادهم فقط.

أستطيع أن أخبرك كيف تمحو المسافات بينك وبين الآخرين
على أن تعلمني كيف أكون امرأة يحتاجون إليها .




.........
غادة خليفة
مايو2013
....

...


painted by: Bernard Buffet


السبت، 11 مايو 2013

الشجرة التي تشبه الأشجار

.




كانت تضحك وهي تسأل: ماهي الفائدة من تكرار كل شيء؟
بعد فترة صمت قصيرة أجابت الشجرة الكبيرة:
" إنها طرق الحياة لأجل أن نكون مستعدين جيدًا للمستقبل"

- المستقبل ...؟
ماعلاقة الفصول التي تتبدل بانتظام بالحطاب الذي يمرُّ كل فترة من هنا
؟ ولماذا تجيبين بكلام لا أفهمه كل مرة؟



الشجرة الصغيرة لا ترغب في انتظار الربيع الملون الذي تحبه الأشجار،
لا تفكر سوى بالحطاب الذي سيأتي ليأخذها بعيدًا.
تخاف من ملامسة جسدها للأرض
ومن الزاوية الحادة التي ستراقب العالم منها حين ذاك
خيالها يرتب لها رعبًا جديدًا اسمه "اختفاء العصافير"
كل هذه المشاعر التي تشتبك داخلها تلون حياتها بالاصفرار،
وتفقدها متعة التنفس كل صباح.
تريد أن يأتي الحطاب؛ لأنها لا تقوى على احتمال خوفها منه.


الشجرة الكبيرة التي تنتظر الحطاب بخوف،
استيقظت لتجد الحطاب قادمًا نحوها،
لكنَّ الشجرة الصغيرة توسلت إليه أن يقطعها أولًا
الخطاب لم يصدقها في البداية ... ولماذا ترغب شجرة صغيرة في البتر؟
لكنه بعد حوارٍ طويل معها تأكد من رغبتها،
فاقترب منها بحب، وعانقها ثم همس لها:
" سامحيني لأجل حياة خضراء ستفرُّ منكِ الآن، سامحيني لأنك ستسافرين بعيدًا عن أصدقائك، سامحيني لأنني أحبك وسأنهي حياتك بشكلها الذي تعرفينه الآن"

ثم ابتعد عنها بمسافة ما ...
بدأت الشجرة تغني بأعلى صوت ممكن كي تواجه الفزع الذي استبدَّ بها
تغني والحطاب يقترب بفأسه الحادة
ثم...
صرخة واحدة
ولم يسمع الحطاب صوت الشجرة بعد ذلك.



كانت تظنُّ أنها ستموت بمجرد أن يفصلها عن جذورها، كل ما حدث أنها فقدت صوتها فقط، ولم يعد بإمكانها أن تغني أو تنادي الريح ،
كانت تود أن تحكي للأشجار التي تمر بها كم تبدو السماء جميلة وهي تستلقي تحتها بالكامل، لكنهم ينظرون لها بأسى ولا يعرفون أنها لازالت حية.


لماذا لما تخبرها الشجرة الكبيرة عن العربة، ولماذا لم تخبرها أن الحركة مبهجة هكذا.
الحطاب أخذ يخلصها من غصونها بابتسامة،
وهو يكلِّمها: " أعرف أنكِ بلاصوتٍ الآن، لكن لا تخافي ستظلين جميلة حتى وأنتِ بلا أغصان"
ثم بدأ يقطِّعُها إلى أجزاء صغيرة، وهي لازالت تشعر بالحياة.
الحطاب أخبرها أن بداخل كل قطعة خشب قلب شجرة كامل؛
لذلك فهي تعيش داخل كل قطعة منها،
حتى لو تباعدت المسافات بينهم.


الشجرة التي أصبجت صغيرة وخفيفة ذهبت إلى النار أخيرًا،
بفرحٍ ودون رعبٍ هذه المرة.
كان كل ما أخبروها به عن أسطورة النيران مُختَلقٌ وبعيد جدًا عن الحقيقة،
إنها لا تبدو شريرة أبدًا،
كيف تكون شريرة بهذا البرتقالي المتوهج،
وبصوتها الذي يشبه همسات النسيم.


النار أحاطت الشجرة بحب،
أخبرتها أن حيواتٍ أخرى تنتظرها داخل البذور الصغيرة،
ثم احتضنتها بقوة وحولتها إلي نيران.

الشجرة تملك روحًا جديدة،
تتوهج وتستعيد صوتها الذي فقدته،
هذه النار تمنحها قوة غريبة،
هذه الأسطورة القديمة اختبأت طويلًا داخل عقلها
بوصفها أسوأ مخاوفها على الإطلاق.
















painted by: Charles Wilkin

الأربعاء، 8 مايو 2013

خارج الكتالوج





إلى مروة



أتهرَّبُ من الرد على رسالتك
لا أرغب في أن أطل داخل هذه المرآة

تكتبين عن مشاعرك التي يتقاسمها الجميع
ولا يشبع منها رجل واحد
أنت لستِ طيبة كما يتصورون
تعرفين انَّ جرحك يشبهني وتكتبين كل ما لا أرغب في تذكره
وتطلبين مني أن أفعل شيئًا

سأخبرك بما لا اقوى على فعله
يمكننا أن نطلق شائعة عن موتنا
سيظهر عاشق واحد على الأقل لكلٍ منَّا
وسيندمون كثيرًا على أنهم لم يكونوا معنا
ويمكننا أن نموت فعلًا كي ننتقم منهم


لاتردي التحية بابتسامة لطيفة
اخترعي شتائم جديدة تصلح لكل هؤلاء الأصدفاء
يمكننا أن نكتب " لا نريد مزيدًا من الأصدقاء"
ونطبعها على ملابسنا
يمكن أيضًا أن نشترك في مسابقات الغناء
ونتمتع بالأضواء والشهرة

أو يمكننا أن نحرق الكراسات التي كنا سنملأها بالكتابة

يمكن أن نرقص مع الناس في الشارع عنوة
أو أن نحضن كل الرجال الجذابين
يمكن أن نذهب إلى البار سويًا ونجرب السُّكر

أو
تعالي نجرب الاقتراب من العفاريت التي ننتظرها



البنات الصغيرات يطمئنون معي
لأنني العانس التي لازالت تضحك وتحكي عن البهجة
يقولون ربما نستطيع أن نكون مثلها إذا مر الوقت دون يأتينا حبيب
لن أخبرهم عن الألم يا مروة ....
إنهم لا يعرفون غيره

ولن أذهب إلى البر الآخرأيضًا
سأتسلى بمشاهدة صديقاتي يذهبن واحدة فأخرى
فقط

هذا المكان أيضًا يملك بعض المزايا
يكفي أننا نحتفظ بخيالنا عن الحب دون أن يصدمنا الحب نفسه
ويكفي أننا لا نعرف ما هي السلمة التي يجب علينا صعودها غدًا
إذ أنَّ كل ما نفعله هنا بلا قيمة
إذا لم يلتف خاتم حول إصبعك
فلا قيمة لك هنا
ستكونين مجرد امرأة اخرى داخل قائمة انتظار طويلة


بدلًا من تضييع الوقت في انتظار الحب
يمكننا صناعته ببعض الصور والخيالات
والالتفات لتلوين حياتنا

سنفرح
خارج كل الكتالوجات والاسطوانات القديمة
تعالي نُكسِّر هذا العالم القديم
ونخترع سعادتنا

......

غادة خليفة
مايو 2013

















painted by: bernard buffet 

الجمعة، 3 مايو 2013

جوافة





لا أحد يصدق المجانين
يقسمون أن الإبر تخترق عيونهم
لكن العالم يصرعلى سلامتهم
وخراب رأسهم التي تبث هذه المشاهد الملأى بالأشواك

لا تكتب قصة حياتك
إنها مصورة ومكتوبة داخل كراسات آخرين
كل ما يتحرك داخل ظلام روحك يخترق أرواح الآخرين أيضًا
حتى إغمائتك الأخيرة مرت أمامي منذ يومين



استمع إلى ما استمعت إليه من قبل
ضع نفسك تحت مراقبتك الخاصة
واكتشف أنك ستعجز عما عجزت عنه من قبل
لا تصرخ هذه المرة
شاهد الأحداث تتكرر وابتسم


لا تخبر الجوافة أنك تحبها
الفاكهة لا تمتلك أذنين
ولن تصدق أن بإمكان من يحبها أن يأكلها
إنها تصدق الحب كما تعرفه من الأرض
هذه العصارة التي تتدفق داخلها وتملأها بالحياة
كيف تسمي انتهاك أسنانك المؤلمة لها حبًا؟


اذهب إلى طبيب الأسنان
واطلب منه أن ينتزع أسنانك كلها دون بنج
اذهب بهم إلى الجوافة واخبرها أنك تحبها

أيها المجنون
إنها جثة منذ أن تم قطفها
.
.
.
كرر معي
الجوافة فاكهة حلوة
الفاكهة لا تشعر بالألم
 ........























painted by: Alfredo Bovio di Giovanni
........