السبت، 7 يناير 2017

إلى درية الكرداني


عزيزتي درية:

في المرة الأخيرة كنت أجلس مع الجمهور أشاهد وجهك وهو يعكس روحك أثناء مناقشة حكايات القطط.
على الباب قابلت الفنانة إيفيلين عشم الله ولاحظت أنها أتت إليك بلوحة كهدية وداع، وأظن الكثيرت أتين بالهدايا في هذا اليوم. قلت لنفسي أنا أيضًا أريد أن أحضر لها هدية، وفكرت في كتابة رسالة إليكِ.

يحدث أن أقابل نفسي أحيانًا، نعم قابلت نفسي حين صافحتك للمرة الأولى، بصمة الطاقة لا تخطىء يا عزيزتي. وربما أراكِ جميلة إلى درجة أنني أتمنى أن أكون أنتِ.
المهم أن خيطًا ما يجمعنا في حكاية أيتها المرأة التي تكتب بشجاعة أتمنى أن أصل إليها.

أعرف كل هذه التكاليف التي تتكاثر ثمنًا لصدق يتدفق داخل كتاب يقرأه الجميع ولا يلاحظون بكاء طويلًا يتكرر. الشجارات المتنوعة حول المسافة بين الواقع والخيال، حول  قفزات الخيال والواقع الذي لايمكن كتابته حتى لو قررنا فعل ذلك بشفافية مطلقة. الخيال سيُسْقِط مظلته على الجميع.
أنتِ المرأة التي تلمع داخل روايتها، وامرأة أخرى قابلتها في بيت يحتاج إلى الشمس، أنت نساء كثيرات لم أقابلهن بعد وربما لا يرغبن في الطفو الأن.
أكتب إليكِ في محبة رمالك الناعمة التي لم أستطع الخروج منها، لديّ من يطلب أن أهز ذيلي أيضًا، لكنني أرغب في إخفاء القطة ذاتها وأريد لصوتها أن يصل.
هاتان الرغبتان تتقاتلان وأنا أراقب فقط، كأنهما ليستا أنا في كل الأحوال ستكون نتيجة المعركة ضدي.
أتكلم كثيرا وأجيد إخفاء نفسي وأضيع المسافة بين الصدق والقسوة، كل أصدقائك في الرواية يتكلمون معي، كنت في حضرتهم أتلقى اللوم والحب كما لو أنني أنتِ.

أنا أيضا مررتُ بفنان لا يشبه الفنان الذي تكتبين عنه، روحي تحب أن تجلس في بيته على كرسي بجوار شباك لم يعد مفتوحًا.
فتاة لم تقابليها كانت تنغمس في الأمان هناك، أما القلق وفقدان الحب وغليان المراهقة، كل هولاء كانو ينتظرونني بجوار الأسانسير.
كنت أشرب الحب من يد لا تعرف سواه، أما أصدقائي فكانو يشربون معي ولا يحسنون الإدراك. ما الذي تحصل عليه الفتاة من أبيها، ما الذي تحصل عليه امرأة من أبيها وحبيبها معًا. لا أعرف وربما لن أعرف يا درية.
أنت قابلت الفنان الذي حولك إلى أيقونة تخصُّه، وأنا علمني الفنان أن أختارنفسي بينما أنتظر وردتي كي تتفتح على مهل.
أنت تزوجتِ الفنان وتحولت إلى سمكة تلمع، وأنا أحببت نفسي وزرعت شجرة لي تحت الكرسي، هذه الشجرة مازالت تورق. شجرتي تلتف وتكبر كي أحب الفنان وزوجته وابنه هذا الحب الخالي من التصنع والقادم من روح تم صقلها جيدًا بالدموع.

يادرية لا أمتلك نصف شجاعتك، أنا أخاف.
أخاف أن أصف لك ستارة الصالة التي جلست لأخيطها بيدي كي تزين الصالون الجديد للعروس. كنت في الأرض أحاول ضبط ثنية بنطلون الفرح لرجل أحبه، كنت معه أقيس أحبال الغسيل وأركبها في البلكونة بينما أكتم تنهيدة طويلة، وأذوب مع أم كلثوم وهي تغني (أقولك إيه عن الشوق يا حبيبي).
في اليوم الموعود استيقظت على بكاء شديد وعنيف تم إخفاؤه بعناية تحت الروج الأحمر الثقيل والكحل الأسود. كنت أرتدي بلوزة حمراء تلمع، كنت جميلة جدًا في فرح حبيبي كي يلتفتو إلى جمالي وينسونني.
أنا أكشف نفسي وهي ترتجف في الممر دون أجنحة إلكترونية أوبطاقات تعريف، كل ذلك مرَّ من هنا، رجل دخل إلى البرواز وآخر استعاد حياته القديمة.
مع الوقت تعلمت أن أكلم الصور وأنا أفتش عن أثرأعرفه داخل عينين أحفظهما في الخيال.
صار نسيجي ناميًا وغزيًرا ويتسع لامرأة أخرى، هذه المرأة التي اكتشفت محبتي بالحدس وخلعت خاتمها لأجلي دون كلام.

الذاكرة تعاندني كي لا أكتب عن ستارتي الصغيرة التي لضمتها من الخرز الملون وكانت كل مهمتها أن تملأ مطبخ العروس بالنور وأن تخفي رف السكر.
ستارتي الصغيرة مازالت هناك مخبأة في أحد الأدراج ونائمة، لن يوقظها الأمير بقبلة، ستنام دون أن تستيقظ تمامًا مثلما نامت هذه الغادة الممتلئة بالحب حتى أطراف أصابعها.
كل هذه الصور تم إعدامها بالكامل لصالح اختيارآخرأكون فيه تلميذة طيبة وشكورة،
أرتدي الطيبة كي لا تفضحني رائحة الحب.


هل أحكي لك عن الفنان الآخر الذي غمرني في النور وتعرف عليّ كغزالة قديمة.
كان فياضًا جدًا ودافئًا، لكنه يرغب فيما هو أكثر من جلسة في مقهى، يريد أن يحرك أنثى صامته، ينغزها كي تحضر، وحين تأتي يشعر بالرعب.
هذه الرغبات المتضادة دفعتني بعيدًا جدًا، ثم لم يتبق له داخلي سوى الامتنان والمحبة والنور الذي يفيض من اسمه كلما مرّ بي.


يا درية لقد عشتُ داخل هذا الوهج ولم أحترق، تمامًا مثلما مررتِ من النار ونجوتِ داخل رمالك الناعمة.
....
2016



- اللوحة المرفقة من رسوماتي




.....