الاثنين، 30 سبتمبر 2013

إلى: تشي






كان صوتك غريبًا ولهجتك غير مفهومة بالكامل
وبالنسبة لامرأة تبكي منذ يومين
كان اتصالك يشبه سحابة ملونة تمر داخل حجرة مغلقة

أحتجتُ إلى سنةٍ كاملة كي أكتب إليك
لأنني لم أستطع منذ ذلك الحين أن أرسل إليك أي شيء
لا شيء يصلح للتعبير عن محبتي

غالبًا كنَّا سنتشاجر حول السياسة كثيرًا
وربما كنتَ ستندهش من انفجار الغضب في منتصف الكلام
لكنني كنت سأتجنب كل ذلك في المرات التالية
تمامًا مثلما أفعل مع أخي

لا أتابع أخبارك، وتوقفت عن عد السنوات التي ستأتي بعدها إلى مصر
لا أظن أنني سأقابلك
مع ذلك أعدك أنني سأحضنك
لأجل هذه المكالمة القصيرة
فقط




.....
غادة خليفة
سبتمبر 2013






painted by: Balthasar Klossowsk



الاثنين، 23 سبتمبر 2013

تقاطع مع قواعد العشق الأربعون 2




 إلى إبراهيم:



لماذا نتبادل الرسائل إذا كنا سنكتب تقريرًا عن كتابٍ يعجبنا فقط.
وهل كونها رسائل معلنة يجعلنا نخفي قليلًا مما كنا سنكتبه داخل رسالة شخصية وخاصة.
هناك خيط نمل متعرج يمتد من منتصف السرير إلى علبة البسكوت الكبيرة، يمشون داخل مسار يشبه الجبل ولا أعرف من أين يأتون.
وحتى لو أن هذا لا علاقة له بقواعد العشق الأربعون، فما نكتبه هنا يبدو على مسافة من الكتاب أيضًا.
أكتب معك عن الكتب لأنك تحبها، تحب الكلام عنها، وتحب قرائتها، وتفرح بها مثلما تفرح النساء بالملابس الجديدة.

لا أجد إجابات للأسئلة التي تطن برأسي، ولا أملك مساحة الأمل الواسعة التي تخص المستقبل، تم استنزافي بالكامل داخل جميع المعارك، وحينما تبادلنا الأماكن أصبحت اللعبة لا تطاق.

في الكتاب يخبر شمس الدين التبريزي العاهرة التي تسأله عن مستقبلها:
" ما الزمن إلا وهم فحسب، وكل ما تحتاجين إليه هو أن تعيشي هذه اللحظة بالذات. هذا كل ما يهم"
حينما أقرأ ذلك يتبادر إلى ذهني أن لعبتي القديمة في الهرب إلى المستقبل ستكون فاشلة إذا ما حاولت تجربتها مرة أخرى، الحاضر ملوث بالدم والضياع ، عدد الذين يرغبون في الحرية محدود مقارنة بعدد الراغبين في الأمان أو في ضمان الجنة تحت مظلة الجماعة.

الحرية تحتاج إلى معارك عنيفة داخل رأسي كي تقف على الأرض بأقدام ثابتة وتواجه العالم. تمامًا مثل (إيلا) تتجاذبني الأفكار ولا أعرف أين ستكون خطوتي القادمة.

...
غادة خليفة
2013


يُتبع،



 

* المقاطع بالأحمر من كتاب ( قواعد العشق الأربعون) - إليف شافاق





....

السبت، 21 سبتمبر 2013

إلى إبراهيم (تقاطع مع قواعد العشق الأربعون)







في وقت سابق كانت حياتي خاليةً من كل شيء إلا الكتب،
الآن أصبح صوت أفكاري عاليًا ومشوشًا، لدرجة أنني أحتاج إلى كتاب يرغمني على البقاء داخله وعدم الطيران إلى التفاصيل اليومية،
أحتاج إلى كتاب يتحاور معي، ويتشاجر مع أفكاري الثابتة عن العالم،
كتاب يشبه هذا الكتاب الذي أكتب لك عنه الآن.

وجدت الكتاب ينتظرني داخل بيت أختي ، لم أشتريه، ولم أبحث عنه، فقط وجدته، أو وجدني. كنتُ وحيدة بجوار شمس تفترش السرير في خفة، بعد مرور خفيف بالستائر الملونة.
فتحته بشكل عشوائي كما أفعل مع الكتب الجديدة كلها، ولم يخذلني.

رسالة (إيلا) استقبلتني، وأبقتني يقظة ومندمجة داخل عالمها حتى الرسالة التالية.
بعدها تأكدت إنني سأجد من يتكلم معي داخل هذه الأوراق. بدأت أقرأ من الصفحة الأولى، وكانت حكاية البحيرة الصغيرة هي التي أكدت لي أنني سأقرأ هذا الكتاب حتى صفحته الأخيرة؛ لأن جميع مداخله تبهجني.

" ارمِ حجرًا في بحيرة، ولن يكون تأثيره مرئيًا فقط، بل سيدوم فترة أطول بكثير. إذ سيعكّر الحجر صفو المياه الراكدة، وسيشكّل دائرة في البقعة التي سقط فيها، وبلمح البصر، ستتسع تلك الدائرة، وتتشكّل دائرة إثر دائرة.
وسرعان ما تتوسع المويجات التي أحدثها صوت سقوط الحجر حتى تظهر على سطح الماء الذي يشبه المرآة، ولن تتوقف هذه الدائرة وتتلاشى، إلا عندما تبلغ الدوائر الشاطىء.
إذا ألقيت حجرًا في النهر، فإن النهر سيعتبره مجرد حركة أخرى من الفوضى في مجراه الصاخب المضطرب.
لاشيء غير عادي. لا شيء لا يمكن السيطرة عليه."

توقفت مع إيلا عند بحيرتي الهادئة، وفهمت كيف يؤثرون بي بكل هذه القوة، يتركون لونًا واضحًا عليَّ، كل هولاء العابرين، ولا أترك بهم خدشًا واحدًا.
حياتي بحيرة صغيرة ترغب في أن تكون نهرًا يصب في البحر بكامل جماله، لكنني لم أختر هذا الخوف الذي لا يسمح لي أن أتخطى حدود مساحتي الصغيرة، هذا الخوف الذي أفتِّتُه بالخيال، فيعود لينمو كاملًا مرة أخرى.

"وما الضير في أن أكون رومانسية؟، سألت جانيت، وفي صوتها نبرة تشي بأنها أهينت.
حقًا ما الضير في أن تكون رومانسية؟ تساءلت إيلا.
منذ متى تزعجها كلمة رومانسية؟ وعندما لم تتمكن من الإجابة عن الأسئلة القابعة عند حواف دماغها، واصلت كلامها "هيا يا جبيبتي، في أي قرنٍ تعيشين؟ ضعي هذا في رأسك، إن النساء لا يتزوجن من يحببن، بل يخترن الرجل الذي سيكون أبًا جيدًا، وزوجًا يمكنهن الاعتماد عليه.
فالحب إحساس جميل، لكنه سرعان ما يتلاشى" عندما أنهت إيلا كلامها التفتت نحو زوجها، عقد "ديفيد" يديه ببطءٍ كأنما يعقدهما عبر الماء، وراح ينظر إليها كأنه يراها لأول مرة في حياته.

فقالت جانيت: "أعرف لماذا تفعلين ذلك، لأنكِ تغارين لأنني سعيدة وشابة، إنكِ ترغبين في أن تجعلي مني ربة بيت حزينة، إنك تريدين أن أكون مثلك يا أمي" اعترى "إيلا" شعور غريب يحفر في تجويف معدتها كأن صخرة عملاقة تقبع فيها، هل هي ربة منزل غير سعيدة؟ أم في منتصف العمر عالقة في شباك زواج فاشل؟ أهكذا يراها أطفالها؟ وزوجها أيضًا؟ وماذا عن الأصدقاء والجيران؟ وفجأة تملكها شعور بأن الجميع حولها يرثى لها، كان شكلها هذا مؤلمًا للغاية، فانطلقت من فمها تنهيدة ."

إيلا لم تتشاجر مع تعاستها، أو تعاندها، لم تخبر ذاتها أنها كوَّنت أسرة يحسدها الكثيرون عليها وتعيش في بيت جميل ودرجة اجتماعية راقية.
لم تقلل من إحساسها بالتعاسة وتقبلت الحقيقة بهدوء من يعرف كل هذا مسبقًا.

أما أنا يا ابراهيم فابتسمت لجارتي التي قالت لي: "بتفكريني ببنت خالي بردو كدة الشغل واخد كل حياتها لحد ما عدت التلاتين ونسيت نفسها خالص"
لكنني لم أصدق – إلى الآن- أن الزواج هو الإنجاز الأهم في حياتي، برغم أنني أعرف أن العنوسة هي العلامة السوداء الأكثر وضوحًا للجميع.
لم أصدق جارتي يا صديقي، ولم يتكسر عالمي مثل إيلا، كل ما تذكرته أنني أحاول أن اصنع طريقًا يشبهني، وهذا بالضرورة لن ينال إعجاب الجميع.

لكنني أنا وإيلا نفتح الكتب كي نجد إجابات على أسئلة لم نجرؤ على طرحها،
ومثل إيلا التي وجدت مرآة صافية في بداية "الكفر الحلو" وجدتُ مرآتي مع إيلا نفسها.
....
 

يُتبع ،

........

* المقاطع باللون الأحمر من كتاب (قواعد العشق الأربعون) - إليف شافاق 
ترجمة - خالد الجبيلي -2012 


....