الثلاثاء، 28 ديسمبر 2010

امتنان




بدأ العام برجلً يطل علىَّ بجبٍ

يهاتفني بلهفة ويطلب المواعيد بإلحاح
انجرفتُ إلى محبته بقوة

قبل أن يصدمني جبل الجليد
بعد ثلاثة أشهر نسيت اسمه وابتسامته

كان بإمكاني أن أكون عشيقةً مثالية

كنت سأرتوي من الدفء وأغرف من المحبة بقوة

لكنني رددتُ الباب بعنفٍ

أريدُ الإخلاص
ليس أقل

استدار الوقتُ لي وألقاني بجوار رجل آخر
يشبهني بطريقة غريبة
ويحمل المسودة السرية لمواصفات رجل أحلامي

بصماته تنطبق على صورة قديمة بروحي
أحببته وطلبتُ محبته

فلما لم تأتِ

ذهبتُ

كان بإمكاني أن أنتظر هناك
لكنني رحلتُ بشروخي الصغيرة قبل أن أتفتت تماماً
ببطء حركت قدميَّ خطوة ... خطوة
دعوتُ الله لأجل أن يأتيني نور
ولأجل أن أنتظر أكثر

ثم قبلتُ كل شيءٍ
وذهبتُ
لا أريد رجلاً أطارد ظله في الأماكن
أريد رعاية ومحبة

ولا أرغب في الانتظار خلف بابٍ مُغلَّقٍ بخوف

ذهبتُ وذهبتُ
ولما التفتُّ وجدتُ دفئاً حيَّاً ينتظرني
ليس حبيبي الذي أحلم به مع ذلك لا يمكن إنكار محبته

الرجلً الذي مرَّ بي كي يداويني
منحني الحب بصبرٍ وبدا يرعاني
يرشني بالفرح والمودة والدفء

رجلي ولو لم أتزوجه
حبيبي ولو لم أكتمل به
أخي وصديقي وابني
جاء إلىَّ كي يحضنني
لأطمئنَّ
أعادني إلى العذوبة وأشعل الأمل بقلبي

أنا راضيةٌ يا الله
راضيةٌ وممتنةٌ وسعيدة

ولن أجادل بعد الآن
شكراً لكل شيء ،


....

الثلاثاء، 21 ديسمبر 2010

غزل







أفتح صفحةًً جديدةً وأقررُ أن أكتب
فقط
لأجل أن أضغط حروف الكيبورد وأشعر بالأهمية
سأكتب
لا أعرف عن ماذا؟

ربما عن المنحنى الناعم الذي أعبره
أو عن اختفاء الأصوات من قلبي
الحنين إلى الألم أو إلى النشوة

عن ماذا أكتب الآن؟
عن القمر المكتمل الذي يعيدني إلى نقطة بعيدة
أم عن قدمي التي تؤلمني بلا سبب

سأكتب عن ....
دائماً ما أكتب عنك
حتى في الأوقات التي لا تحمل فيها اسماً
مثل الآن
أنت بلا اسم
شبحٌ تقريباً وبلا ملامح
توقظني كل يومٍ على سؤالٍ جديد
وتلقي علىَّ الإجابات المكتملة دون أن أبحث عنها

أيها الشبح الذي أثق به
كم عدد الوردات التي يجب أن أضعها على قبرك كي تموت
قل لي ؟
أنا لا أعرف

أجلس مع آخرين لا يشبهونني
وأراقب اختفاء القمر خلف شجرة متشابكة
القمر لا يهتم - كالعادة –

لقد قبلتُ مرور الذكريات كما هي
دون أن أتدخل بمشيتها المنتظمة داخلي
لم أتوقف عند أي مشهد ولم أقم بقطع الأجزاء المؤلمة
دون مونتاجٍ تركتها تمر بلا صورةٍ ولا صوت
غمرتني بقوة وهربت بي من الشارع المزدحم
فصرتُ أغني لنفسي كي أكمل المسافة للبيت

إبرة الكروشيه تنتظرني على السرير
أعيد غزل البلوفر الجديد مرَّةً أخرى
مقاسه أكبر مني
سأعيد غزله كي يناسبني
أفك خيوطه وأبدأ من جديد

الغزل يأخذ مشاعري ويلقي بها إلى البحر
يجعلني فارغةً من الأفكار والصور
الغزلُ يسرقني من الخيال

أعيد وصل الخيط القديم ببعضه
كي يكتمل الغزل
ولا أعرف إلى الآن كيف أغير غرزة البلوفر
أنا أعرف الغرزة الأساسية فقط
أتلاعب بالألوان ولا أحاول تعلم غرزة جديدة
أستمر بالغزل حتي الصباح
وأستيقظ متعبةً

لن تهتم لهذه الأخبار
ما الذي يمكن استنتاجه من نصٍ كهذا
لا شيء سوى مجرد خيوط ملقاة بإهمال
متشابكة قليلاً ويسهل فكها أحياناً

أريد أن أفك خيوط السقف
كي أتلصص على الجيران المسافرين
سأصنع سقفاً آخر يسمح بصعود الأحلام إلى أعلي
أريدها أن تتراكم هناك وتشعر بالوحدة والإهمال
لأنني لن أصدقها بعد الآن
سأفك رموزها وأُحلِّيها بالخيال وأعيد كتابتها هنا
سأعيد كتابتها هنا كي تفرحَ
ولا تعذبني بما أعرفه ولا أعرفه

كيف يمكن صنع نهاية هنا
دون أن أبتسم لذاتي وأقول:
تحتاجين ملامح جديدة


.....





الخميس، 16 ديسمبر 2010

تقاطع مع The holiday


.

الكاميرا تدخل من الباب
صالة واسعة مظلمة قليلاً

تتحرك الكاميرا ببطء نحو الحجرة الوحيدة المضاءة

سرير عليه بطانية ملقاة بإهمال
وتليفزيون صغير
وجهاز كمبيوتر في الناحية الأخرى


على الأرض تجلس امرأة في منتصف الثلاثينات
حولها كماً هائلاً من المناديل الورقية المستعملة

وبكرة مناديل مفرودة عن آخرها



Zoom in


عينان على وشك البكاء وأنف أحمر تماماً
ويدان تغزلان بلوفر بألوان متناسقة
الغزل يتم في آلية تامة
العينان مثبتتان على التليفزيون الصغير



Cut

(كيت ونسلت) تجلس في مطعم فاخر مع رجلٍ يناهز السبعين

لا يعرف تفاصيل حياتها
مع ذلك يقدم لها أجوبة واضحة عن سؤال لم تطرحه أصلاً

(كيت ونسلت) تنفجر في البكاء في نهاية المشهد


المرأة الجالسة على الأرض لا تبكي



Ad break


نظرة المرأة لا تتغير تظل مثبتة على الشاشة وهي على وشك البكاء


Zoom in


أنا البنت التي يعاملها الآخرون كصديقة حقيقية

بارعةٌ في نسج علاقات آمنة مع الرجال
لا أحد يراها امرأة حياته

ولم يعلمها أي رجل كيف تكسر الحياد
كيف تكسر المسافة التي تجاهد في وضعها بينها وبين الآخرين



Cut


(كاميرون دياز) تفكر في كل أفعالها المتكررة لإبعاد الآخرينً
تكتشف نفسها كامرأة تخاف من الاقتراب الحقيقي من رجل

الصوت يعلو داخل رأسها مخبراً إياها بأنها تكرر أخطائها

تقفز فجأة

تقوم بفعل مغاير كي يتغير العالم



Zoom in


لا توجد مساحة لدىَّ لأية أفعال

حياتي سلسلة من الأفعال التي لا تؤدي إلى مكان

حياتي لا تتغير
بل تتكرر
تتكسر


Cut


(كيت ونسلت) تشاهد أفلاماً قديمة
وتنسج علاقة دافئة مع رجلٍ عجوز

هذا الرجل الذي تساعده على المشي ببطء
يساعدها على أن تخلع أوهامها بسرعة



Zoom out


المرأة تنظر إلى البلوفر بفتور

ثم تنظر إلى بكرة الخيط التي أوشكت على الانتهاء
تبدو يا ئسة ومع ذلك لا تبكي


الفيلم ينتهي نهاية سعيدة

المرأة تترك الغزل وتذهب إلى جهاز الكمبيوتر
تفتح الفيس بوك
لا شيء
لا تعليقات أو رسائل من أحد
تمسك الموبايل
تتأمل مالايقل عن خمسين اسمٍ

ولا تتصل بأحد

كان بإمكانها الوصول لثلاثة أشخاصٍ على الأقل
الثلاثة بإمكانهم أن يفهموا كل ما ترغب بحكيه
وأن يسمعوها للنهاية
لكنها لا تستطيع الكلام مع أحد

تنظر لنفسها في المرآة
تتفاجأ لكونها جميلة
تذهب لتحضير الطعام وهي تتأمل النهايات السعيدة التي لا تحدث لها أبداً
تراجع ذكرياتها القديمة ببطء
فلا تجد باباً واحداً يمكنها أن تطرقه الآن

لقد صارت بعيدة جداً عنهم جميعاً


Cut


على اليوتيوب مشاهد دافئة من الفيلم

المرأة تمسك ساندوتش وتنظر بألم


Zoom out


اللمبة النيون ترتعش
البنت تنظر إلى أعلى ثم إلى الكمبيوتر
ثم تُطفىء النور


وجه امرأة تنعكس عليه إضاءة الكمبيوتر

الكاميرا تبتعد
لمعة ما تظهر على الكيبورد ....


*
The holiday


....

الاثنين، 13 ديسمبر 2010

نظرةٌ أخرى على نصٍ قديم






.




1


"إلى الغُرَابِ الأسْوَدِ سَاكِنِ السَّطْحِ"



كُلَّ يَومٍ
أرَاكَ
قُربَ المَغْرِبِ
تُنَادِينِي
تَنْطِقُ اسمِي بِلُغَةٍ لا أفهَمُهَا

صَوتُكَ
يَبْدُو مُنَاسِبًا
لِجِنَاحَيْكَ الفَرِيدَين

صَوتُكَ يُشْبِهُك

فِي خُصُوصِيَّتِهِ وَجَمالِه
أمَّا حَرَكَتُكَ الأثِيرة
مِن أعلىَ السَّطح إلىَ سَطحٍ آخَر
ثُمَّ إلىَ الشَّجَرَة
فَتَبدُو مَدرُوسَةً بِعِنَايَة
حَرَكَةٌ جَذَّابَةٌ وَسَرِيعَة

أجلِسُ كُلَّ يَومٍ
لِمُرَاقَبَتِك
هَل تَشْعُرُ بِعَيْنَيَّ
تُطَارِدَانِ جَنَاحَيْك؟
كَيْفَ يُمْكِنُ أن نَتَفَاهَمَ مَعًا
هَل أثِقُ بِعَيْنَيَّ عَندَما تُخبِرَاِني أنَّكَ تُرَاقِبُنِي

أوَدُّ أن نَطِيرَ مَعًا
كَي تَرَى خَفقَ أجنِحَتِي وَرَوعَةَ طَيَرَانِي
أوَدُّ أَنْ أُمَسِّدَ سَوَادَ أجنِحَتِك
وَأَلْثُمَ منقَارَكَ الرَّشِيق

البَين
الَّذِي تَشْدُو لَه يَبدُو حَتمِيًّا

تَمَامًا مِثلَ لِقَائِنَا مَعًا

غَدًا
أنْتَظِرُكَ
عَلى شُرفَتِي
تَأتِي إِلَيَّ
وَحدِي
لِتَرْسُمَ مَعِي رِحلَةً وَاسِعَةً
إلىَ أبعَدِ شَجَرَةٍ مُمكِنَة

عَبرَ سَمَاءٍ
تَتَّسِعُ لاخْتِلافِنَا
يُمْكِنُنَا إعَادةَ خَلْقِ المَسَافَة
بَيْنَ رِسَالَةٍ وَأُخرَى
بَينَ السَّطحِ وَالشُّرفَة
بَينَ الحَقِيقَةِ وَالوَهْم
....

2007


( من ديوان تقفز من سحابةٍ لأخرى )

...

2


لقد أغويتُ الغرابَ الأسودَ ساكن السطح برسائلي الملتهبة
وحينما أتي تصورتُ أنَّ بإمكاني الطيران معه
تخيلتُ أنَّ صوتَه الطالع في الفجر يدلُّ على رغبة حقيقيةٍ في الحياة
كنتُ أظنُّ أن بإمكاني اقتسام القوة معه

الغرابُ يرغب بيدىَّ التي تمسدُ ريشه
يرغب بالقصائد التي أكتبها عن روعة طيرانه ... لا أكثر
الغراب لا يبتسمُ لي ولن يصطحبني للطيران
لأنه لا يدركُ الطيران
يطير بلا إدراكٍ وبلا استمتاعٍ
و يسخرُ من تحليقي المنخفض مع العصافير

الغراب لا يملك القدرة على المحبة
يحب انعكاسه بعينيَّ ولا يرى عينيَّ
يتنافسُ مع الغربان الآخرين
محاولاً أن يعلو فوقهم في طيرانٍ مُنهِكٍ وقاسٍ


آه
أخيراً
أكتشفُ الأمرَ من مسافةٍ قريبة
منقارهُ يجرحني حينما أحاولُ الرفرفة
لن يمكن لعلاقةٍ ما أن تجمعنا

من مسافة بعيدة يبدو مدهشاً
وحينما أقترب لا يتبقى سوى الحقيقة
الحقيقية المغطاة بالأسود اللامع
وبالقوة المؤلمة



2009





.....

الأحد، 12 ديسمبر 2010

أُغنيتي



.




.



حياتي ممتلئةً باللصوص
لذلك يجب علىّ أن أحترس وأنا أكتبُ اسمَك هنا
لا أرغبُ بتعقيد حياتي بخيوطٍ ليست لي
هل أخبرتُك من قبل أنني أخاف
لا أحبُّ أن يراكَ الآخرون منعكساً بابتسامتي
وسبباً للورود التي تقفز إلى وجنتيَّ فجأةً

سأكتبُ أغنيتي كي تسمعَها وتبتسم
وكي تعرف امرأةٌ أخري أنَّها ليست وحيدة

قال : لا أحبُّكِ
ابتسَمتْ ثم قالت : أعرفُ
ولكنني لا أصدق
امرأةٌ داخلي تخبرني بأنَّك تكذبُ لسببٍ غير معروف

كيف تتصلُ بمشاعري بهذه القوة
إذا كنت لا تكترث لي كما تزعم

كيف تستطيع أن تجعل المسافةَ بيننا ضيقةً هكذا
وممتلئةً بالكهرباء


آسفة

ليس باستطاعتي أن أُصدقَكَ

أو ربما سأصدقُكَ
إذا فسرَّت لي هذه الابتسامة التي تشرقُ بعينيك كلَّما رأيتني
فسِّر لي ابتسامتَك وسأذهبُ دون أسئلةٍ
أعدُك

رجلٌ ما يمرُّ من هنا كل يومٍ كي يتسلى بالحواديت التي أكتبها عن نفسي
سيقرأُ ما أكتبه مرتين ثم سيلمعُ اسمُك في رأسه فجأةً
بعدها سيكتشفُ عدد النساء اللاتي يبتسم لهنَّ بحبٍ دون مشاعر خاصة
سيتألم - قليلا - من لطفه الشديد الذي يؤلم امرأةً لا يرغبُ بإيذائها

ضع نفسكَ مكانه وحاول أن تقرأ لي العالم بعينيه
لماذا تسقطُ حولي دائرةً من الدفء كلَّما مررتَ بي
إذا كانت مشاعري هي التي تُغطيني بحنان
فلماذا لا أستطيعُ استحضارها دونك ؟

ولماذا لا أكُفُّ عن الابتعاد والاقتراب بهذه الطريقة المؤلمة
ما الذي يجب علىَّ أن أعرفه كي أذهبَ ؟

احكِ لي حدوتةً أخري
أحتاجُ أن تساعدَني قليلاً
افتح لي كتاب قلبك واقرأ لي الحكاية كما تحدثُ هناك
أنا لا أتعاركُ مع قدرنا معاً
بل أرضى
ولكنّني لا أستطيعُ أن أصدَّق أنك لا تحبُني
لا أستطيعُ

...



..

الأربعاء، 8 ديسمبر 2010

أستاذ محمد




.


النص ده من أصعب النصوص اللي كتبتها في حياتي
وهو مُهدى لأصدقائي محمود عابد وريهام سعيد
لإنهم السبب المباشر في الكتابة


.


.



لا أتصور أنَّ بإمكاني سرد ما حدث كما حدث
ولكنني سأحاول أن أروي حكايتكَ كما حدثت تماماً
ولا أعرف إن كنت سأتحملها للنهاية أم لا

بدأ الأمر في الصف الأول الثانوي
حينما قدمني لك مدرس اللغة العربية كي أقرأ القرآن في الإذاعة
لم أعرفك في هذا الوقت
أذهبُ للمدرسة مبكراً جداً وقلبي يدقُّ بسرعة كلَّما اقتربتُ من الميكرفون
كنت أخاف ألا أحسن القراءة وإلى الآن لا زلت أخاف

في السنة الثانية أصبحتَ أنت مدرس اللغة العربية
الذي يدرِّس لي ولأختي في نفس الفصل ( تانية تامن )
ليس بإمكاني أن أنسى ذلك المكان الذي تفتحت فيه حواسي للمرة الأولى
كان عطرُكَ يصلُ إلينا قبل أن تدخلَ المكان بدقائق
ينبهُنا إلى حضورك فنصمت جميعاً بانتظارك
كنتُ ولا زلت أحبُّ هذا العطر الخاص وأظلُّ أتلفَّتُ حولي كلما مرَّ بي
لازلتُ أتلفت حولي بحثاً عنك



اسمه كان ( محمد رضا فريد )
مدرس اللغة العربية بمدرسة الحواياتي الثانوية بنات
هذا الرجل أستاذي وأبي وحبيبي

لا أريد للانفعال أن يسيطر علىّ أحتاج عينين صافيتين كي أُُكملَ

كانت المرَّة الأولي التي أرى فيها مدرساً تمتلىءُ عيناه بالدموع حينما يقرأ
يحب الشِّعرَ بقوة ويلقيه بإحساسٍ وحضورٍ خاص
كنَّا نحفظ جميع النصوص حتى النصوص التي لا يطلبون منا حفظها
أحببنا اللغة العربية مثلما يحبها ذلك الجميل الذي تلمع عيناه دائماً

بوجهٍ مثلث وسمارٍ شهىٍّ دخلَ إلى أعماقنا بهدوء
كنا نحبه - أنا وأختي - ذلك الحب الذي لا يتكرر أبداً
الحب الذي يمتلىء بضياعٍ دافيء ولوعة ناعمة ... بسهرٍ طويل ودموع
لم أستطع الكلام بحضرته
كنتُ أتلعثمُ حينما أقفُ أمامه وأنسى ... أنسى كل شيء

أختي أجرأ مني قليلاً
فكانت تذهب لسؤاله وأنا أقف خلفها لأستمع
أو أنتظرها كي تحكي لي كل شيء...
كان يكتبُ الشعر وتوقف عن كتابته لأسبابٍ غير مفهومة

لا أستطيع إكمال الكتابة
هذه الحدوتة أكبر مني
لا يمكن كتابتها
كيف أكتب عن رجل انطبع بداخلي فصرتُ أبحث عنه
إلى الآن أحب كل من اقترب منه في الملامح أو الإحساس
وأحب الرجال الغارقين في العطر

كنتُ أحبه في الزمن الذي لم أحاول فيه تعريف الحب ...
نطفىء أنوار الحجرة - أنا وأختي - ونوقد شمعتين
نتصوره موجوداً بيننا ونحتفل معاً برأس السنة الجديدة

في الخامسة عصراً كان هناك طقساً يومياً لأم كلثوم ولمحمد رضا فريد
نكتب كيف التفَتَ إلينا وهو يقرأ جملةً ما في أحد النصوص
نحاولُ أن نربطَ هذه الجملة بحياته الخاصة
ونسجل عدد الابتسامات التي عبرت وجهه ونوعها وتعليقنا عليها
كنا نكتب بالتبادل حتى وصل عدد الأوراق المكتوبة عنه إلى 150 صفحة من الحجم الكبير
لا أتصور أن بإمكاني وصف رجلٍ آخر بدأب وبهجة كما حدث معه

كنَّا نحبه ، كنتُ أحبُّه
أستبدله بأبي وأحبه دون لومٍ
أغنيات أم كلثوم تمطرنا بالأجوبة وتوقظ داخلنا أشياءً بلا أسماء
المدرسَةُ كلُّها تعرف أننا نحبه .... لأننا نحبه

كان يتمنى أن ينجب بنتين مثلنا ويشاهد افتتاتنا به بحب
( انتوا شفافين أوي )
لم أكن أعرف معنى هذه الكلمة تحديداً
ولكنني كنت أظن أنها كلمة لطيفة تتحدث عن الصفاء غالباًَ

في هذه السنة عشتُ أجمل أيام حياتي إلى الآن
لم أعرف وفرة في المشاعر مثلما حدث لي حينما تدفق هذا الرجل في حياتي
لقد تطوَّر مستوانا الدراسي بشكلٍ مذهل وبجميع المواد
صرنا نذاكر لأجل أن يفرح بنا

في أحد الأيام كتبَت له أختي خطاباً بريئاً
تخبره فيه أنه لا يجب أن ييأس لأن الحياة ممتلئة بأشياء جميلة
ولأننا نتخذه رمزاً وقدوة لنا

لسببٍ ما كان خطاباً غرامياً أكثر منه رسالة دعم
كنا نتصور أن بإمكاننا مساعدته ... كان يأتي متعباً وتائهاً في هذه الأيام
أختي وقَّعَت الخطاب باسمينا معاً وأستاذ محمد سأل عن التي كتبت هذا الخطاب
أختي اعترفت أنها الفاعلة ... وأنا ابتسمتُ

هل يجوز كتابة ماحدث بعد ذلك
لا أعرفُ
أنا أنغرسُ داخل منطقةٍ داكنة ومؤلمة

بعد الحصة الرابعة في أحد الأيام
قال لها أريد أن أتكلم معك
ثم حكى لها حكايته مع الشعر كاملة
كيف بدأ الكتابة ولماذا تركها
لقد حكى لها الحدوتة التى انتظرناها طويلاً وأنفقنا سنةً كاملة في محاولة استنتاجها
ولكنه في آخر الحوار
قال: لا تخبرى أحداً بذلك
قالت: لن أخبر أحداً سوى غادة
قال: ولا حتى غادة .... لا اشعر أنني قريب منها مثلما أنا قريب منك
ولا حتى غادة

أختى نقلت لي جزء الحوار الأخير وتسبب ذلك في أول صدمة تلقيتها في حياتي
في المترو حاولتُ استنطاقها
منذ خرجنا من المدرسة وهي تتهرب
إلى أن واجهتني
قال : لا تخبري أحداً ولا حتى غادة
واصطدمتُ أنا بجدارٍ صخريٍ فجأة

كانت المرة الأولى التي أعرف فيها أننا اثنتين وأننا لسنا شخصاً واحداً
مررتُ باكتئابٍ شديد
أكثر رجل أحببته وأول رجل أحببته لم يشعر بي
( أكتشفُ الآن أنني أكرر هذه التجربة ببساطةٍ مذهلة )

توجدُ ثقوب بالحكاية لا يمكن رتقها
كنتُ أحاول أن أكتب بامتنانٍ إلى رجلٍ غيَّر حياتي
فوجدتني أعيد التعرف على نفسي

في السنة الدراسية التالية لم يكن هو أستاذ اللغة العربية لنا
مع ذلك كنا نراه كل يومٍ ونبحث عنه وننتظره
هذه السنة كانت تعيسةً جداً لأسبابٍ لا يمكنُ كتابتها هنا
كنا نتشبث بوجوده ضد الضياع
ولم يكن يصدقنا حينما نخبره أننا لا نذاكر دروسنا
بعدما انتهت السنة الدراسية وذهبنا إلى الكليه
كنا نأتي إلى المدرسة من وقت لآخر لنراه والمدرسات الجديدات ينظرن لنا باستهجان
كان يحاول أن يعلمنا أوزان الشعر وبحوره
ذهبنا مرتين أو ثلاث مرات قبل أن نتوقف عن زيارته

بعد شهرين وربما ثلاثة
جاءتنا مكالمةٌ غريبة تخبرنا أن محمد رضا مات ....
حادثة قطار الصعيد القديمة حرمتنا من أبينا مرةً أخرى
لم نصدق في البداية
بعدها ذهبنا للعزاء بالرغم من أننا الذين يجب عليهم تلقي العزاء

هذه الأيام ....
..

لا أرغبُ في دخولها الآن
يكفى أن أقول أنها كانت حالكة السواد ومريرة
لقد مات محمد رضا فريد قبل أن أنشر ديواني وأذهب إليه وأصرخ
( أنا نزلت ديوان .... أنا نزلت ديوان يا أستاذ محمد )


...

هنا تقرأون عن أبلة فاتن و ميس شذى


....