السبت، 20 أبريل 2013

الكروشيه وأشياء أخرى

.





بدأت الحكاية مثلما تبدأ كل الحكايات التي تبدأ في الطفولة،
أمي تتحدث عن الملايات اللي تشغلها بالورود،
تأتي بها من الدولاب المغلق دائمًا، وتفردها بعناية كأنها كنز، وتخبرنا كيف أنفقت الأيام وهي تصنع جهاز عرسها الجميل.

أمَّا خالتي التي أحبها فلم تكن تحكي عن أي شيء،
كنت أجد البلوفرات الملونة في الدولاب وأرتديها، فكانت خالتي تضحك وتخبرني أنها تخصها وأنها من بالكروشيه.
لم أكن اعرف عن الكروشيه أي شيء سوى أنه يحوَّل الخيط إلى ملابس مبهجة وغريبة.


في المدرسة تعرَّفتُ على إبرة الكروشيه، وعلى الغرزة الأساسية
وبدأتُ محاولاتي الأولى في عمل طاقية حمراء ببكرة صوف واحدة.
هذه الطاقية لم تصمد بعد الصف الثاني من الغرز،
تركتها لأنني لم أرغب في فكها مرة أخرى لإعادتها بشكل صحيح.

في المرحلة الثانوية ولسبب لا اذكرة قررنا صنع بلوزة مثل التي كانت تصنعها خالتي.
اشترينا أكثر من ثماني بكرات من اللون السماوي الداكن، وبدأنا العمل.

في هذا الوقت علمتنا خالتي كيف نبدا البلوزة بغرزة تشبه البليسيه
لا أتذكر الآن سوى شكلها النهائي.
أكملنا ثلاثين سطرًا تقريبًا وربما أكثر، لكننا لم نصمد.
هذه المرة انتهت حكاية الكروشيه تمامًا واتضح أنه يحتاج وقتًا طويلًا.


بعد الانتهاء من سنوات الدراسة سقطتُ داخل حفرة سوداء تبدأ بسؤال مبهم
ماذا سنفعل بعد ذلك؟
بدأت في تعلم التريكو، كان نسيجه متقنًا ومغلقًا أكثر،
واستطعت إنجاز كوفية جميلة وملونة.
بعدها بدأت أحاول في البلوزات مرة أخرى بالتريكو، لكنني كنت أتوقف عن العمل في منتصق الطريق، حردة الكم والرقبة كانت تقف في طريقي دائمًا.

ومن التريكو إلى الكروشيه مرة أخرى،
الكوفية تنمو بشكل اسرع بإبرةٍ واحدة، لكنها تستهلك خيطًا أكثر.


الكروشيه كان يشوِّش على الكآبة التي تخبرني بعدم جدوى أي شيء،
كنت أتحول إلى ساحرة وأحول بكرة خيط مهملة إلى كوفية تجلب الدفء وترفع درجة الأناقة.
مع الوقت أصبحت لا أتحرك إلا مع الكوفية.


تعرفتُ على صديقة في سن أمي، وكانت تصنع ملابس من الكروشيه هي الأخرى، كان لديَّ ملاحظات على الألوان التي تستخدمها، لكنَّ النتيجة النهائية كانت جميلة دائمًا.
صديقتي الجديدة علمتني كيف أصنع بلوزة كروشيه تبدأ من الرقبة، في هذه الطريقة نبدأ بعدد من الغرز يلتف حول الرقبة، ويتسع بالتدرج حتى نصل إلى فتحة الأكمام، ثم يتوقف عن الاتساع بعد ذلك.
كانت المحاولات الأولى ذات نتائج فاشلة، بلوزة مترهلة للغاية وممتلئة بعقد الخيط. بعد ذلك تحسن الأمر وبدأت البلوزات في إظهار جمالها الخاص.

منذ ذلك الوقت وأنا أصنع الكوفيات والبلوزات بالغرزة الأساسية، وأكترث لتركيب الألوان المبهجة معًا فقط.


منذ أكثر من شهرين بدأ الكروشيه يحتل مساحة أكبر من حياتي؛ بسبب أصدقائي الصغار.
لديَّ أصدقاء في بداية العشرينات، يسألون نفس السؤال القديم بصوت عالٍ
: ماذا سنفعل الآن؟
تذكرتُ كل أحلامي المنسية، والمختبئة بعيدًا داخل ذاكرتي.
كنتُ أحلم بصناعة فستانٍ من الكروشيه، يشبه الفساتين التي تظهر في المجلات. تعلمتُ منهم أن أحلم بصوتٍ عالٍ وأن أسأل الجميع.


صديقتي الأقرب وصلتني بصديقة لها مهتمة للغاية بالكروشيه،
هذه البنت جلست معي وتكلمت عن مفاتيح قراءة الباترون، وعن الغرز المختلفة وأماكن شراء الإبر والخيوط الأرخص والأفضل.
ثمَّ قالت لي كلمةً سحرية
"
how to crochet"
طلبت مني أن أكتبها على اليوتيوب وأن أشاهد الفيديوهات التي تُعَلِّم كل التفاصيل.

هذه المعلومة الصغيرة غيَّرت طريقة تفكيري؛
بعد أن كنت أتجه للبحث عن معلمة جيدة، أو كورسات مناسبة،
بدأ العالم ينفتح أمامي عبرعدد من النساء الشغوفات اللاتي ينقلن خبراتهن إلى أخريات؛ ربما يغيرن شيئًا في العالم.



الكروشيه يساعدني في تصديق الإمكانات البعيدة المتخيلة للأشياء البسيطة المتكررة .
يعيد ربطي بالدأب الذي أوشكت على نسيانه.
وينسيني كل هذا الألم الذي تتسبب فيه البائعات حينما أسألهن عن الفساتين الملونة في الفاترينة فيكون جوابهم الفوري " مقاس مين .... انتي لأ مفيش مقاسك".

أتعلم الغرز وأشتري الخيوط المختلفة وأذهب في الطريق إلى فستاني الخاص
أرتجل حلولًا للشكل النهائي، وأتغلب على ضيق المقاس واتساعه.

أكتشف عدم قدرتي على اتِّباع الباترون نهائيًا، وأتعلم أشياءً صغيرة من كل باترون أمرُّ به.

أبتهج بتجميع الألوان، وبالخيوط الجديدة، وبإنجاز قطع جميلة من الملابس.

كلًّ الملابس التي خضعت للخطة الأصلية لم تعجبني حين انتهت.
وكل الملابس التي تطورت بشكل مختلف عن خيالي خرجت بجمالٍ مبهر.

الكروشيه وحدة أساسية على طريقي، وإلا ما كان ليختفي ويظهركل هذه المرات.
هذا الحلم الطفولي ينبع من نقطة عميقة داخلي،
وينمو داخل حياتي الآن ويلونها.


..........


















made by: heykeltras coskun ozer



....

3 التعليقات:

Unknown يقول...

^___________^
كنتُ هنا :)

ست الحسن يقول...

يسلم لي وجودك الجميل دايمًا يا ليلى

:)))))

manar keshk يقول...

على فكرة أنا زيك فى موضوع الكروشيه ده :) جميلة أوى يا غادة كالعادة وخليتينى أحب اللى بعمله أكتر :) تسلمى يارب دايما ويسلم احساسك اللى بيحلى كل حاجة فى الدنيا :)