الأربعاء، 6 مارس 2019

عن سكينة حبيب الله وخطتها البديلة



في ديوانها الجديد "خطة بديلة" الصادرعن منشورات المتوسط 2019 تبدأ سكينة حبيب الله خطتها البديلة بالتدفق والسقوط القوي للمياه (بحركة واحدة)
"السقوط/ إنه السقوط العظيم/ ما يجعل نهرًا/ يتحول إلى/ شلال"
المياه هنا هي قوة الحياة التي تُغير مسارها دائمًا، يتحول النهر إلى شلال حين تختفي الأرض التي تسنده فتتعرى قواه الكامنة كلها ويتدفق بقوة جديدة
تسميه سكينة سقوط وربما يكون السقوط هنا هو الولادة، ألم نسقط نحن من الرحم إلى الأرض.
في قصيدة "الماء الذي يغلي في فمي" نرى الماء أو النهر المتحول إلى شلال يغلي، دلالة على اكتشاف النار/ المعرفة التي تحول الحياة المتدفقة إلى حياة مؤلمة.


المفردات المتكررة أوالطريقة التي ينمو بها العالم الشعري لسكينة حبيب الله
الشجرة
الكلمات / الكلمة
البيت
القلب
اليد أو القبضة
الموت/ الحياة
الأيام
العش

تعتمد طريقة بناء الديوان على إعادة الكتابة على مستوى أعمق والدخول من المفردات ذاتها إلى معاني جديدة.
تمامًا مثل الشجرة التي يمكن رسم ساقها فقط أو أغصانها أو التفرغ لمراقبة الجذور وفي كل مرة يتكون لدينا مشهدًا مغايرًا مع أننا لازلنا أمام الشجرة ذاتها.
مفردة "الشجرة" مفردة رئيسية في كتابات سكينة حبيب الله نرصدها في هذا الديوان وأيضًا في ديوانها الأول "ربع قرن من النظر" الصادر عن الدار العربية للعلوم 2014.
على امتداد الديوان -في أوله ووسطه وآخره- نشاهد ثلاثة قصائد هي: "قلبي" "قلبكَ" "القلب" ورغم تكرار استعمال مفردة القلب إلا أنها تقدم لنا قلبًا جديدًا في كل مرة.

.
لم تنس سكينة وهي تقدم لنا خطتها البديلة أن تشير بطرف خفي إلى الخطة الأصلية كما في قصيدة "شمس"، تقول: "
فأنا لن أبتلع الصديد بل سأبصقُه في قصيدة"
تكشف لنا الشاعرة عن الطريقة التي يتحول بها الألم القديم المتقيح إلى كتابة شافية.
.
أيضًا من قصيدة "أقول ربما":
"أقول ربما وأندم/ فالصباح مهما سلطت عليه من ليل/ يفزعني كل يوم بقدرته على النجاة" الليل هنا هو وقت السكينة وقت الأحلام والكتابة والخيال
الصباح هو الاستيقاظ من الخيال ومواجهة معركة الحياة اليومية
هنا أيضًا تكشف لنا سكينة جانبًا من الخطة الأصلية وتخبرنا بوضوح أن الخيال أو الشعر هو الخطة البديلة.

.
يرتكز الديوان على عدد من القصائد أعتبرها أعمدة الديوان أو القصائد الكاشفة عن تجربة سكينة وخطتها البديلة منها "
صورة تخطيط الصدى لامرأة عادية"، "كانت ثمارًا على شجرة"،
"أربع محاولات لتجميع عظام جثة".

في صورة تخطيط الصدى لامرأة عادية تقول الشاعرة:
"لا تلتفت إليّ، أيها العالم/ أنا مجرد امرأة عادية/ أعلم أن النظر في عينيّ/ يبعثُ على الخوف/ عيناي اللتان من أبيض وأسود/ كصورة إيكوجرافي/ تحمل الخبر السيء"
هذه النظرة السوداء للذات الشعرية تعكس قوة وتحدي في مواجهة التجاهل والإنكار المستمر والمتعمد من العالم.

في كانت ثمارًا على شجرة تقول الشاعرة:
"ثمرةٌ متضررةٌ/ تسقط فوق أغصان ميتة/ فيدبُّ فيها مشيٌ عظيم/ هكذا بدأت القصة إذن/ وعلينا أن نكملها حتى النهاية/ دون خروج عن النص/ نمشي/ نبالغ في المشي إذا لزم الأمر../ إلى أن ننسى/ أننا لن نعود أبدًا/ ومهما حصل/ إلى الغصن/ من جديد"
وكما نلاحظ فهي قصيدة عن الخروج الأبدي من الرحم، والوجود الجبري داخل الحياة ومفردة المشي هنا تربطنا بالحركة الأولى للماء في القصيدة الأولى.  

لسكينة طريقة ذكية جدا في اختيار العناوين بحيث يُكتب معظمها وتلحقه نقطتان رأسيتان، فيصبح العنوان هو مجمل النص يليه تفصيل النص داخل القصيدة.
الذكاء في استخدام العناوين متقدم عن ديوانها الأول "ربع قرن من النظر".
الإيجاز والتكثيف الواضح في القصائد يشي بعدد كبير من القصائد المحذوفة، حتى يكون بناء الديوان محكما ومتصلا بهذه الطريقة.
يحتوي الديوان على قصيدتين تشيران إلى الكتابة القادمة أو الديوان الجديد وهما "العلاج بالأرق" و “expired death” وتظهر فيهم الفانتازيا الساخرة الصارخة.

في النهاية أترككم مع مقطع بديع من قصيدة شمس، تقول سكينة: 
"أنتِ أيضًا/ لا تستطيعين إطفاء نفسك لبعض الوقت/ أنتِ أيضًا لم يمنحك أحدٌ عينيه/ لأكثر من ثوانٍ معدودة/ أنتِ أيضًا/ لا تعرفين لمن تخبئين كل هذا الدفء/ لا، ليس عليكِ أن تذهبي إلى أي مكان/ بإمكانك أن تمكثي معي/ ربما نتقاسم معًا هذا البيت/ ثمة وحدة هائلة تتسعُ لي ولكِ/ لستِ مذنبةً في أي شيء/ فالقلب الذي رخص/ ربما كان رخيصًا منذ البداية"