الأربعاء، 13 يوليو 2011

كائن يختزن الألم



.

ما الذي أعرفه عن جسدي ؟
كل ما تعلمته أنني يجب أن أتجاهله دائماَ،
إذا التوت قدمي في الطريق
علىّ أن أنتظر قليلاً قبل أن أكمل طريقي رغم الألم،
إذا اشتعلت الموسيقى فجأة واستبدت بي رغبةٌ عنيفة بالرقص في الشارع
علىَّ أن أبتسم وأمضي،
هكذا تعودتُ أن أسكن هذا الجسد دون أن أعرفه بعمق.


أبحث عن اللوحات التي تشبهني أو تشبه ما أعرفه عن جسدي،
ذلك الكائن الذي يختزن الألم في صبر.
فريدا كاهلو
*1 الفنانة المكسيكية التي تُعرِّي نفسها أمامنا داخل لوحات تتماس مع مناطق الوجع التي نرفض الاعتراف بها ونتجاهلها متعمدين .
نحن أمام فنانة استخدمت مفردة الجسد كي تعبر عن الألم الشديد
فريدا كالهو الفنانة المكسيكية التي ترسم وهي غير مهتمة بالتقنيات الفنية
قدر اهتمامها بتوصيل مشاعرها وذاتها كما تخبرها أو تعرفها بعمق

( كانت تهرب من واقعها عبر الرسم، فبواسطة حمّالة لوحات استطاعت تثبيتها على حضنها، وريش وألوان، اتّخذت من نفسها نموذجا وعلى غرار رامبراندت وفان غوغ،
كانت تروي حياتها عبر تصويرها ذاتها .
لم يعد الرسم بالنسبة إلى فريدا بمثابة سعي إلى تطوير أسلوبها أو مسألة انتساب إلى الفن الطليعي،
ولم تعد تهتم بالسريالية أو بالفن التجريدي،
كانت تحكي في لوحاتها بشكل أساسي سيرتها الذاتية،
فتستخدم تركيبةً بسيطة يحتل فيها الوجه حتماً الوسط ، لمسةً منتظمة، وضوءاً متساوياً.
أرادت بذلك رسم لوحات بديهية وبسيطة تذكّر بالرسوم الدينية )
*2


لوحة رقم (1)

في اللوحة رقم (1) تطالعُنا امرأة متخشبة قليلاً،
نصفها الأعلى عارٍ تماماً ومسنود بدُعاماتٍ حديدية كما لو كان آيلاً للسقوط،
يبدو جسدها فخارياً بشقوقٍ خفيفة
وتبدو تنورتها السفلى كأنها مصنوعة من الجبس،
يظهر ذلك في طريقة تلوينها وفي التضاد الشديد بين الفاتح والداكن
في شبه غياب للهاف تون(درجة اللون الوسطى بين الداكن والفاتح ).
المسامير الصغيرة تؤكد هذا التصلب عندما تتناثرعلى سنونها الحادة
بخلاف المسامير في الواقع التي تسقط بكامل كتلتها.
الوجه هنا هو حامل التعبير
وناقل حالة الألم المكتومة التي اتضحت من خلال الشفاه المغلقة بحزم
والالتقاء الحاد للحاجبين المرسومين بقوة.

الدموع تظهر داخل العينين وخارجها وكأنها مجرد آثار جانبية محتملة،
مع ذلك ندين بقوة التعبير للعينين المرسومتين بخطوطٍ بسيطة ومحددة،
الشروخ تتناثر في الوجه، أما الشعرالذي يعبرُعن المشاعر فهو أكثر الكتل انسيابية في اللوحة.
تبدو الخلفية منتمية تماماً لطبيعة اللوحة ،
ضربات الفرشاة الحادة تصنع السماء والسحب
بينما الأرض تظهر في الجزء الأكبر من الخلفية مُخدَّدة وكأن زلزالاً ضربها للتو.

الجسد هنا لا يشير إلى الحياة ولا يحتفى بالبهجة،
الجسد المتكسر المتكىء على أعمدة خرسانية يعبِّرُ عن وجع مكشوف تماماً
مثلما يبدو جسد هذه المرأة مكشوفاً.
ليس المقصود هنا إبراز الجمال والتناغمات في جسد المرأة
كما كان فنانو عصر النهضة مثلاً يرسمون العاريات،
ولكنه يكشف عن التشوهات العميقة للروح ،
لقد تحول الجسد من أداة للوصول إلى أداه تعذيبٍ حية .



لوحة رقم (2)


في اللوحة رقم (2) تبدو امرأة تتقيأ جسدها إلى أعلى،
وتتضح تفاصيل هذه الكتلة المعجونة من اللحم فنري الجمجمة والأمعاء
وخنزيرصغيروسمكة ودجاجة خارجين من فم امرأة
مثلما تخرج بالونة الحوار من فم رسومات الكوميكس.

تنظر لنا بقوة بينما يبدو جسدها متقلصاً في نسبٍ غيرواقعية،
خطوط الملاءة تفصحُ عن بروز للبطن،
وتبدو كتلة الشعر كثيفة جداً ومتسعة مقارنةً بالكتف ضئيلة الحجم،
في اللوحة ترقد امرأةٌ على سرير خشبي وفوقها دعامة ما تحمل ما تبصقه في وجه العالم.
في الخلفية نجد الشمس مرسومة بخطوط حادة وتأثيرات وألوان تشبه البرتقالة
وحولها هالة الضوء المتخيلة، والقمر باهتٌ في الخلفية، يكاد يتماهى معها.
السماءُ ملونة بأزرق الصباح الفاتح، والأرض ممئلئة بالأخاديد،
نقوش الملاءة المرسومة بعناية شديدة تتعارض مع خطوط بقية اللوحة العنيفة
المؤَكَّدة بالظلال الداكنة جداً.

لقد تخلصت من العالم كما يبدو داخلها ،
أوهي داخل عميلة ترجيع للحياة ذاتها،
الحياة المرفوضة داخل زمن حاضر دائماً ( الشمس والقمر ) .



لوحة رقم (3)


في اللوحة رقم (3) ترسم الفنانة فريدا كاهلو نفسها داخل جسد وعل برىٍّ أو غزال مُنهكٍ يوشك على الموت،
داخل غابة تطلُّ على البحر والأفق، نجد امرأةً بوجهٍ حزين وجسدٍ اخترقته السهام.
جسد الغزالة واقعيٌّ ومرسومٌ بدقة،
والخلفية مرسومة بمنظور واقعي ساعد على إبرازه صف الأشجار المتتابعة،
يبدو التأنق واضحاً في رسم تفاصيل الأرضية وأوراق الشجر،
حركة الغزالة كأنها على وشك الوقوع والتهاوي الأخير،
والدماء النازفة تدل على حداثة الجرح،
وهي لوحة أقرب ما تكون للاتجاه السريالي وعالم الأحلام واللاوعي.



لقد اخترتُ امرأةً ثصرخ بقوة ،
وتمتلك جسداً حيَّاً ، اختارت أن ترسمه بدلاً من أن تتجاهله ،
فاستمعت إليه وحولته إلى ألوانٍ وخطوطٍ ومساحات.
لقد أحببتها وهي تصرُّ على رسم ذاتها مرةٍ بعد مرَّة ،
أتصورُ كلَّ الآخرين الذين تركوا لها ملاحظاتٍ عن التكرار
هذا التكرار نفسه الذي جعلها تحفرُ عميقاً داخل نفس المكان،
كي يصعدَ لنا كلُّ هذا الجمال.


____________

*1 فريدا كاهلو Frida Kahlo‏ رسامة شهيرة ولدت في المكسيك سنة 1907 وتوفيت
سنة 1954 في نفس المدينة

*2 فيرونيك برات





............
نُشرت بمجلة الثقافة الجديدة
يوليو - 2011





....

5 التعليقات:

نهى جمال يقول...

أي قوي !

حاسه اني اول لوحة حاساها قوي الايام ديه !

fawest يقول...

لكن منشرش الصور ليه يا غادة فى المجلة
إدايقت قوى

Amira يقول...

تم الإشارة للمقال بعد إذنك
تحيتي و احترامي

http://hekayat-farida.blogspot.com/2011/07/blog-post_20.html

حسن ارابيسك يقول...

أناأيضاً عرفتك بأسم فريدة وقد كانت بداياتي تقريباً في التدوين في نفس الزمن تقريباً
ولكن لسوء حظي أنني لم أكن أعرف أن لديكي مدونة أخرى بتلك الروعة أطلقتي عليها ست الحسن وهي رائعة بمعنى الكلمة فعلاً والحمد لله ان اللينك الذي وضعتيه الخاص بتدوينتك عن لوحات وحياة الفنانة التشكيلية فريدا كاهلو كان دليلي إلى هناإلى هذا الثراء الجميل في المضمون والاحساس واللغة
والحقيقة أكثر سعادة بملف ال بي دي اف لديوانك الذي يحمل عنوان تقفز من سحابة لأخرى
ولقد بدأت بالفعل في قراءة تدويناتك هنا بست الحسن
ست الحسن مدونة رائعة تستحق كل تقدير واحترام
تحياتي
حسن أرابيسك

ست الحسن يقول...

نهى
سلامتك من الوجع

كله بيعدي والله

..........

طه
معلش هنعمل إيه بقى
أديني نشرتها هنا بالصور


........

فريدا

شكراً جداً لاهتمامك وتسلمي يا أميرة

..........

حسن أرابيسك

أهلاً بيك وسعيدة لاهتمامك بالمدونة وبتعلقيقاتك على النصوص المختلفة وفرحت أكتر إنك نزلت الديوان وبتقراه
بجد شكراً جداً

بس فيه سوء تفاهم هنا
مدونة حكايات فريدة ليست مدونتي
إنها مدونة خاصة بصاحبتها الأستاذة أميرة الشربيني
وأنا لا أمتلك سوى مدونة واحدة هي ست الحسن فقط

وشكراً مرة كمان لاهتمامك وأتمنى تعدي من هنا على طول وتلاقي حاجات تعجبك


...