
.
في لوديف يطلبون مني أن أكتب عن الثورة
أن أصف شعوري بها من هذه النقطة أو أن أرسل لها رسالة من هنا
ولكن الرسالة التي ترسلها معي فرنسا إلى مصر تبدو بائسة جداً
بعد خلع الرئيس لا أحد يفهم ما يحدث في مصر
الشعراء من بلغاريا وألبانيا وصربيا يتحدثون عن ثوراتهم بمزيد من الأسى
يقولون أن الثورات هي محاولات أخرى لإرساء نفس النظام أو نظام مشابه
الحرية التي يحلم بها الجميع لا توجد
حتى هنا في فرنسا لا تجلس معي على الطاولة ولا تنعكس على حركة الآخرين
لماذا أكتب ما أكتبه الآن؟
أنا بائسة حقاً أترك أصدقائي يحاولون الصمود في الميدان
وأتسكع هنا في هذا المكان الهادئ
الإسرائيلية التي تسكن معي لا أستطيع أن أكرهها مع أنني أكره إسرائيل
لم أعرف ماذا أفعل معها أو ما هي المشاعر التي من المفترض أن تنمو داخلي حينما أراها ؟
هل سيتهمونني بالتطبيع مع العدو
إذا اعترفت أن زميلتي في السكن امرأة لطيفة تُدَرِّسُ الكتابة الإبداعية في إسرائيل؟
أنا أكره إسرائيل
هل هذا يعني بالضرورة أن أكره يائل التي تتحدث معي الإنجليزية بطلاقة
يمكنني أن أغير هذا الأمر فوراً
أن أتصل بإدارة المهرجان وأطلب الانتقال لمكان آخر
أستطيع أن أتجاهلها أو أعاملها بجفاء
لكنني لا أريد أن أُضيِّع فرصتي الثمينة في الاقتراب من العدو
يائل امرأة لطيفة في منتصف الخمسينات
تقول لي أن الحكومة الإسرائيلية عدوتها هي أيضاً
وأنها لاتوافق على قتل الأبرياء
تقول أنها تصرخ بذلك داخل إسرائيل
وأنا لا يمكن لي أن أصدقها أو أكذبها
أعاملها مثلما أعامل الجميع، أتمشى معها وأتكلم معها وأقدمها للآخرين
وأخاف أن يكون هذا انتقاصاً للشرف
هل سيتهمني أصدقائي بالخيانة
إذا حكيت لهم أنني أنام على بعد خطوتين من غرفة عدوتي؟
يقول لي صديقي اللبناني: أنا لا أستطيع الاقتراب من أي إسرائيلي أو الكلام معه
لكن أنتم لديكم اتفاقية سلام معهم
أرتبك ولا أعرف كيف أشرح له أنهم أعدائي أنا أيضاً لكنني أستلطف يائل
( أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم )*
هذا صعب جداً ومؤلم
أنقسم لامرأتين تتشاجران طوال الوقت وتتهمان بعضهما بالخيانة وتربكاني
زميلتي في السكن تقتسم معي الطعام والقهوة
تحكي عن أطفالها وتجلس معي تحت الشمس
الإنسانة بداخلي تملك زمام الحكاية وتهمس لي أن الله خلقنا جميعاً
لسنا ملائكة ولا شياطين اتبعي قلبك
واطمئني
الخائفة بداخلي تصرخ : ماذا تفعلين بنا ؟
سيشهرون بكِ ويلوثون سمعتكِ
أنت تجلسين بجوار العدو
تقول يائل أن وضعينا شائكين بقوة
وبأنها فرحت بالثورة واندهشت
الناس داخل إسرائيل لا يصدقون حكومتهم أيضاً
ولكنهم كانوا يرون مبارك يتكلم بهدوء
فلم يتصوروا أنه ديكتاتور وأن المصريين يتحملون كل هذا القمع
أتذكر صديقي الذي يترجم أعمالاً أدبية لإسرائيليين وأفكر
كم أنت شجاع يا نائل
إنهم يدرسون اللغة العربية كلغة ثانية في مدارسهم كي يعرفون عدوهم
ونحن نتحرج من الظهور معهم علناً وبالمصادفة في أحد المؤتمرات
ربما كان من الأفضل أن أذهب بعيداً وأتجاهلها فقط لكن فرصة ذهبية مثل هذه لن تتكرر
لقد اخترت إجابتي التي ليست بالضرورة إجابة صحيحة
لكنها إجابتي
.....
لوديف २०११
......
*سمعتم أنه قيل: تحب قريبك وتُبغض عدوك। وأما أنا فأقول لكم: أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم। أحسنوا إلى إلى مُبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم (متى 5: 43 ، 44)
الصورة من لوديف حيث أقيم مهرجان البحر المتوسط للأصوات الشعرية
photography by:Jelena लेंगोल्ड
.....