الخميس، 1 ديسمبر 2011

كل ما حدث قبل أن تشرق الشمس



.

.

1

الميدان يناديني، أذهب وأنا مفعمةٌ بالأمل.
بعد ربع ساعة على الأكثر تنفجر قنابل الغاز باتجاهنا، أرتعش من الخوف وأجري
صديقتي تمسك يدي بقوة (متخافيش ياغادة ...متخافيش)
أجري والرعب يملأني مع ذلك أطلب من السيدة الأربعينية التي تجري جواري
أن تتوقف عن الصراخ لأنه لا شيء يحدث حقًا سوى أننا نجري فقط

الرجل الذي يعرج يبكي وهو يتمتم (جيشنا بيعمل فينا كدة ليه)
صديقه يحمله ويجري به وسط الجميع
أذهب إلى أقرب تاكسي بسرعة ، حذائي ينقطع قبل أن أركب التاكسي
أذهب للبيت بدموعٍ لم تسقط
قلبي يغرق في الخوف، أتابع ما يحدث كي أطمئن على أصدقائي الذين تركتهم هناك
كل هؤلاء المعرضين للموت أو لفقدان البصر


2

إخواتي مش جدعان على فكرة ولا أنا كمان جدعة
كلنا بايتين في البيت والناس بتموت في الميدان
إحساسي بيتضرب بالنار
محمود وعبدالله اتمسكوا في التحرير
صديقي المهم مش بيرد ع التليفون
والتاني اللي اتأكدت إنه فلول رسمي أهم حاجة عنده الانتخابات
أمير بايت في الميدان
كل السياسين بلا استثناء أثبتوا فشلهم،
ولا حد فيهم بات ليلة واحدة ع الرصيف مع الثوار

ولا واحد ... السياسة لعبة وسخة


3

في محكة عابدين عدد المخبرين يتكاثر
أقابل صديقي المحامي الذي يدافع عن المقبوض عليهم من الميدان
أذهب إلى محكمة مصر الجديدة بالمترو
في المترو أقابل صديقتي التي تضع وجهها في الأرض خجلاً مني
أم عبدالله ومحمود تنهار داخل حضني وتبكي
أجلس وسط الكثيرات اللاتي ذهب أبنائهن إلى السجن،
يبكين ويحلفن أن أولادهم ذهبوا إلى هناك للفرجة فقط

أحكي لهم مايحدث في الميدان
وأنجح في إقناعهن أن أولادهم أبطالٌ وأنهم أحسنوا تربيتهم جداً

الابتهاج يتدفق على سلم محكمة مصر الجديدة
أم أحد المسجونين تضحك وتبدأ أختها في حكي تفاصيل قديمة لثأر بعيد مع الداخلية
تضحك وتأكل للمرة الأولى منذ أن سمعت خبر القبض على صغيرها
تتصل بجارتها وتقول: (كل الممسوكين معاه ولاد ناس وإخواتهم جايين بلبس الجامعة
دول ناس محترمين أوي)
أحببتُ هذه المرأة وأحببتُ صديقتي الجديدة (رزان)
التي أظهرت شجاعة وثبات في موقف تتعرض له للمرة الأولى

أشعر بالاكتمال هنا، قدرتي على الحب تشفي الناس من الغضب وتعيد الابتسامة إلى عيونهم
أشعر بالتحقق والتناغم ... أنا في مكاني أيها العالم الذي يمتلىء بالأسى


4

(قول ما تخافشي .... المجلس لازم يمشي)
أغني أمام براد الشاي الذي يغلي وأنا واثقة بنصر الله القريب

5

أشاهد جنازة الشهيد فأنفجر في البكاء أمام كل الناس
المسافة تتسع بيني وبين الجميع
الألم يتغلل داخلي ببطء
لا أستطيع الوقوف من التعب، ولدٌ لا أعرفه يمد يده لمساعدتي
أشعر بالامتنان للعالم
الثورة تستمر والموتى يتساقطون كل يوم
الموت في الميدان أشرف من الموت في الطريق العام أو تحت المترو أو في الزلزال
أيها الشهداء، أريد أن أشارككم الاحتفال في السماء لكنني أجبن من أن أذهب لخط النار
أجلس وسط الميدان كي أزود العدد ... وكي أطمئن

6

نزيف المشاعر يتدفق
أنظر إلى أرض الميدان وأري الدماء .... الدماء حولي في كل مكان ولا أحد يراها سواي
أجلس تحت النخلة الجميلة وأنظر للسماء بأمل
الميدان يحول كل هذا الموت إلى مزيدٍ من الحياة
الألتراس يحتفلون بالحرية

7
صديقتي الاإسكندرانية تقول أنها تتمم على صفحتي كل يوم كي تتأكد أن شيئاً لم يصبني
تلمس قلبي وأنا أكتشف أنَّ سلامتي تعنيها إلى هذه الدرجة
السفر يناديني، وأنا سأذهب في المرة القادمة غالباً
أجلس مع صديقتي، أريد أن أبكي حتى تنتهي الدموع لكنني أكتفي بعينين تلمعان
أشعر بالهزيمة والدماء تتزايد .... شهيدٌ آخر ينضم إلى إخوته
غالبًا سنخذلهم جميعاً،
سنخذلهم

8

أقف في طابور الانتخاب مع الكثيرات
أذهب إلى الميدان وأنتظر بجوار المقهى
متعبةٌ ووحيدة أريد القفز في حضن أي شخص
لكنني لا أثق في الآخرين الذين ينفلتون مثل الزئبق في الوقت المناسب تماماً
طعم التراب يغزو العالم

....
20 / 28 نوفمبر










....

0 التعليقات: