الخميس، 24 فبراير 2011

الأربعاء الأسود - أحمد كامل




.

.

ليس وقتاً للكتابة والتوثيق،
فلربما تتغير الكتابات جميعها إذا نجح ما يحدث الأن في فرض نفسه مستقبلاً،
كما أنني كنت قد قطعت وعداً مع روحي -وسأخلفه الأن-
بعدم الكتابة الأن عن أحداث تلك الثورة الشعبية
كي أجنب الحروف الوقوع في منعطف الحماسة
أو الشهوة الحبيسة لعيني التي أدركت مالم تدركه أحلامي،
ولكنني مدفوعاً بدم الشهداء،
وعبارات أهلنا عن الصهاينة والخونة المتواجدين في ميدان التحرير؛
سأصف، فقط سأكون شاهد عيان،
دون أن أحلل أو أحاول الكتابة من جهة إبداعية


في يوم الأربعاء الثاني من فبراير 2011
وفي الساعة الثالثة عصراً
شاهدت -كما غيري- على قناة الجزيرة دخول الخيول المتهجمة على المتظاهرين،
الفكرة التي أحاطت بي حينها هي الشرف،
نعم في تلك اللحظات العصيبة والتي يستعين فيها النظام بالكارت الأقوى
الذي لم يخب أمله فيه قبل ذلك أبدا
(البلطجية) أحباب النظام
وأذرعته الطويلة،
فإن من يتواجدون الأن داخل الميدان هم الأكثر شرفاً فينا،
لم تخذلني روحي وارتديت ملابسي مسرعاً لأنال شيئا من هذا الشرف،

وصلت عند ميدان التحرير من جهة عمر مكرم،
كان الجيش يسد كل المنافذ إلى الميدان،
ويمنع دخول الجميع: متظاهرين وبلطجية.
وقفنا سويا أمام الجيش، في كل لحظة يثير البلطجية القلاقل،
ويحاولون التحرش بنا، فيصيح المتظاهرون (سلمية) ويلجأون للتهدئة.

سيدة في أوائل الأربعينيات قررت أن تحاول أن تشرح لهم حقيقة مانفعله،
حقيقة أننا أخوة، أننا نقف لنا ولهم ولكل غائب،
وفجأة وصلنا صراخ السيدة،
وقد إنهال ضربا عليها نحو عشرون شخصاً،

وصلنا بالكاد إلى السيدة وهي تكاد أن تموت بين أيديهم،
سترنا جسدها ببطانية ووضعناها في عربة إسعاف،

شخص يرتدي جاكت جلد أسود، بملامح حادة بدأ في الصياح في البلطجية مرة أخرى للهجوم علينا،

حاولت أن أتفاهم معه،فسبني وحاول دفعي،
قام المتظاهرون بيننا مرة أخرى،
كان عدد المتظاهرين أكثر من عدد البلطجية
أو المؤيدين الواقفين أمام مدرعة الجيش فلم يتم إشتباك من جانبهم،
صوت المتظاهرين بالداخل يصيح بصوت يشق السماء "يارب"

أوجعني أن لا أكون معهم،
من جديد تسيطر علي رأسي فكرة الشرف،
الأكثر شرفا فينا من بالداخل،
أذهب من جديد للضابط، وأبلغه أني صيدلي وأظهر له البطاقة
وبعض زجاجات البيتادين التي في يدي،
يرد بأنه لن يدعني أمر
وأستطيع أن أجلس بجانبه هنا لأسعف المصابين
من جراء المناوشات القليلة هنا بين المتظاهرين

أجلس وأفرش البيتادين والشاش على مضض
وأقوم بمساعدة طبيب شاب في تضميد الجروح والكسور


تبدأ المناوشات في التزايد
ومن الواضح أن أعداد البلطجية بدأت في التزايد،
صوت طلقات نارية من جهة المتحف المصري،
أحدهم يجري ويخبرنا بحريق يشب في المتحف،

بلطجية يلقون بمولوتوف نحونا،
نركض جميعاً وجيوش البلطجية تركض خلفنا،
أسمع في الخلف صوت طلقات نارية
والضابط يؤكد بأن لديه أمر بإطلاق النار الحي،

تهدأ الأمور بعد ربع ساعة وأحاول العودة إلى موضعي الأصلي،
فيمنعني ضابط الجيش،
أشعر بخدعة ما
(يريدوننا أن نخرج كل مرة عدة أمتار بيد البلطجية
ثم يسدون علينا منافذ العودة بعد ذلك)
تصيبني الفكرة بالفزع
أحاول العودة لإلتقاط بقية زجاجات البيتادين والشاش،
ينصحني بعض المتظاهرين حولي
"لو أنت دكتور ادخل في اي عربية اسعاف معديه"
أشير لأول عربة إسعاف،تلتقطني،

قبل المرور من كمين الجيش الأخير
أرى حصانا يركض وعلى ظهره شخصاً يضرب المتظاهرين بسيف طويل،
بينما يركض خلفه المتظاهرون ويحاولون الإمساك به
أدخل إلى المستشفى الميداني خلف محل هارديز،
أسلم البيتادين والشاش للأطباءهناك،

يسمكون ببلطجي كان يحاول الدخول إليهم
ويكبلونه ويدخلونه إلى دورة مياه المسجد الذي تقع فيه المستشفى الميداني،
أحاول المساعدة في تضميد الجروح البسيطة،
بعد قليل أشاهد جرحى أكثر وجروح وكسور أعنف،
لن أستطيع التعامل بشكل جيد مع تلك الإصابات؛
فالأطباء أكثر قدرة مني على أداء ذلك

تحتلني الفكرة مرة أخرى:
الأكثر شرفاً منا هم المتواجدين في قلب الميدان
وليس المختبئين في المسجد

أخرج ثم أنضم إلى الأعداد القليلة نسبيا
في تلك الليلة بالمقارنة مع الليالي السابقة،
لا أظن أن العدد كان يتجاوز العشرين ألف،

بين كل لحظة وأخرى
يحمل الناس على أكتافهم أحد المصابين
وهم يهرولون من جهة المتحف المصري - الجهة الأكثر دموية طوال الليل-
كما أرى بين كل لحظة وأخرى تجمعاً من المتظاهرين يحيط بشخص
يعلنون أنه بلطجي قد أمسكوا به،
ينهال المتظاهرون عليه ضربا وهم في طريقهم لتسليمه إلى الجيش
يعلن البعض -وأنا منهم- الإستياء من ضربهم
حتى وإن كانوا من البلطجية

تحتلني الفكرة مرة أخرى: الأكثر شرفاً
هم المتواجدين على الخطوط الأولى جهة المتحف المصري،
أذهب إليهم.

في الطريق يصرخ أحدهم بأن البلطجية يلتفون من ميدان عبد المنعم رياض
للدخول إلى الميدان من جهة شارع شامبليون،
نركض باتجاه شامبليون، في الطريق يصرخ ناس،
ألتفت فأجد شخص يركض داخل الميدان وفي يده "سافوريا"
الناس يحاولون الإمساك به،
بينما هو يضرب بسلاحه كل من في وجهه،
ضربه أحدهم على رأسه،فإستدار ليركض،

تفاجأت به في وجهي تماما،
لم أشعر بالقطعة الحديدية في يدي وهي ترتفع لتضرب فكه في عنف،
كل ماسمعته هو صوت طقطقة فكه
والدماء تملأ وجهه وهو يقع أمامي.
قدمي تركله في عنف بعد سقوطه
والناس يحاولون رفعه من أمامي ،
وأخرون ينهالون ضربا عليه وهو بين يدي الناس.

أكمل تجاه شارع شامبليون،
بنات على أول الشارع يكسرن بلاط الأرصفه ويعبانه في أكياس من البلاستيك
يحملنها للصف الأمامي تجاه المتحف المصري،
بنت تدك بقدمها الجدران المعدنية الخاصة بأحد المشاريع لتخلعه مع الرجال،

نخلع الجدران المعدنية ونصنع متاريس جديدة لشارع شامبليون
تطلب مني أحد البنات على ناصية الشارع أن أساعدها في تعبئة الكيس بالطوب،
تنهرني حين تجدني أضع قطعا كبيرة من الأحجار
"احنا مش عاوزينهم يموتوا حرام عليك".
صوت طلقات نارية،
وأبناء عن قتيل برصاص في أول نقطة في شارع شامبليون .

تحتلني الفكرة مرة أخرى: الأكثر شرفا فينا
الواقفون في النقاط الأولى وليس في النقط الخلفية مثلي.

أجلس على طرف الرصيف لألتقاط الأنفس وشرب سيجارة،
يجلس بجانبي مسن يقرأ القرآن، يطلب بعد قليل سيجارة مني،
يسألني "تفتكر ايه هيحصل لحد الصبح"
أحاول أن أبدو مرتفع المعنويات "نصمد بس لحد طلوع النهار وأخواتنا هيجولنا
وعددنا هيكون كبير والعيال دي هتجري


خلاص فاضل 8 ساعات ع الصبح".
تنتقل له عدوى الصمود
"بص العيال دي بتضربنا عشان ميه جنيه
يعني من غير مبدأ
لكن احنا عندنا مبدأ
فأكيد هيزهقوا ويمشوا قبل الصبح كمان"
أؤكد كلامه .

أعداد المصابين في تزايد،
منهم من ضمد جرحه وعاد إلى ميدان عبد المنعم رياض،
أتوجه إلى هناك،
ينصحني البعض بوضع شيئ ما على رأسي قبل الذهاب لحمايتها،
أصعد فوق إحدى عربات الجيش المحترقة،
نقذفهم بالطوب،
البعض جهز بعض قنابل المولوتوف وبدأ في رد الهجمات بشراسة،

كلما تراجعوا مترا إلى الخلف،
هبطنا من فوق سيارات الجيش ودفعناها بأيدينا لنحتل هذا المتر، متراً ... متراً
ندفع سيارات الجيش الثقيلة،
أعداد المصابين تزداد حولي،

تحتلني الفكرة من جديد:
الأكثر شرفا بيننا هم المصابون.
نحتل أخر الميدان تدريجيا،
معدتي تصرخ من الجوع،
زوجتي أبلغتني أن أحد أصدقائنا قادم إلى الميدان
وأنه سيحمل لي طعاما،
أتراجع للخلف لالتقاط الأنفاس،

يحضر مصطفى رزق ومعه كيس أسمر مليء بساندوتشات الحلاوة،
أتناول أحدهم ويوزع مصطفى البقية،
أشرب سيجارة ونتجه مرة اخرى إلى المتحف،
زجاجات مليئة بالبنزين يرفض المتظاهرون إلقائها الأن
بعدما أبلغهم البعض في الجوال ونقلا عن قناة الجزيرة
أن البلطجية يعدون لهجمة شرسة قرب الفجر،
يثبت الجار جاره ويشجع الأخ أخيه، صرخات "يارب" من هنا وهناك،
وهتافات الصمود بقرب طلوع الصبح.،

قرب كوبري 6 أكتوبر تصيبني طوبه في ساقي،
لكن أحدهم يخرج من جواري مرة اخرى محمولاً على الأكتاف،
صوت طلقات نارية، وصراخ "حرام يا كفرة"
أنباء عن مقتل متظاهر،

تحتلني الفكرة من جديد وبعنف:
الأكثر شرفا منا دوما.. هم الشهداء




....

بقلم : أحمد كامل
عن الأربعاء فبراير २०११


....

الأحد، 20 فبراير 2011

شاهد عيان - مينا ناجي




.

.
ما حدث هو أنى شعرب بكهرباء حارقة فى كل جسدى،
وأنا مبتل تماماً بسبب خراطيم المياة
صرخت من الألم .
جريت فى الأتجاه المعاكس محاولاً الهروب والأختباء فى مكان ما،

الكمامة لا تفعل شيئاً مع قنابل الدخان التى يرمونها كالـ"بونبونى"،
فقط تجعل بخار تنفسى يغمش عدسات نظارتى الغارقة أصلاً فى المياة
فلا أرى شيئاً وسط ظلمة الميدان الذى قطعوا النور عنه،

أشعر بشلل فى رجلى اليسرى

رائحة الدخان خانقة

أخرج للنور فأرى بقع كبيرة فى بطنى وحجرى وفخذيا ويدى،
أصرخ لأحد يمسك كاميرا يصور الأحداث،

(ضربونى ولاد الوسخة )

أعرج ، أغلقوا المنافذ بالجنود،
كلما حاولت الذهاب فى إتجاه لا أجد سوى الصف الأسود،
الناس رأونى فحملونى، أسمك إيه ؟ - مينا
هشام وأحمد: بماذا ضربوك؟

- لا أعرف، يبدو أنه رصاص مطاطى...

متصدقش اللى بيقولوا أحنا كلنا أخوات وهما بيوقعوا بينا
- أعرف صدقنى
صيدلية قريبة: "لا نعرف أن نعمل معه شيء،
خذوه إلى المستشفى، أوقفوا سيارة،"...

دخلت الطوارئ،

لا أفكر سوى بأمى التى ستبكى بهستريا لو رأتنى فى هذا الوضع ،
لا أريد لأهلى أن يعرفوا بهذا،
أخذوا منى البطاقة فور دخولى
مع أخذ بياناتى عده مرات وأنا أنزف حتى تعصبت،
لكن يبدو أنهم معتادون على عصبية تكرار إملاء البيانات إلى مالا نهاية ،

- "هو جالنا حالات الضهر...بس مكنش بالبشاعة دى"
يقول طبيب شاب لزميله فى نظرة أسى تحاول أن تكون محايدة
الطبيب الكبير قالى لى: هاتعيش بيهم يا وَحش ..مش هاتحس بيهم
أصل مش ممكن هانشلك خمسين ستين واحدة

وأنا بملابسى الداخلة دخلت ممرضة ثم ضحكت،
قلت لها : (بتضحكى على ايه؟ )
كمشت وجهها بسرعة ثم نظرت بعيداً كأنها لا تتنبه.

أخذت أقهقه وأنا أعيد : ( بتضحكى على إيه؟)...

ضحكى وتفكهى مع الممرضات والأطباء جعلهم يتعاطفون معى بشكل ما،
كان واضح أنهم يريدون مساعدتى بأية طريقة .

كنت هادئاً جداً وصافِ الذهن تماماً.
لكننى قلقت عندما دخلت غرفة الأشعة
وقال لى التقنى أنهم سيأخذوننى فى المباحث

(يعنى أتضرب ويتقبض عليا؟)
أثناء ضيقهم ودعاء الممرضات على الشرطة والحكومة المفترية،
أرجعوا لى البطاقة
أشعه وسونار ومراجعة على الأعضاء،
المباحث تقف على باب الغرفة
- هو دا مينا؟
ملح وبتادين..إذا خرجت من هذه الغرفة سيقبضون عليك.
هربت من الباب الخلفى،


الشراب فى جيبى،
ألبس الحذاء حافياً،
أقفل السويتر من أجل الدم على الملابس.
أحاول الخروج بدون عرج أو استناد وأنا أصفر

أخرج من البوابة الخلفية التى فتحوها لى بالإشارة مع البواب...
خرجت للشارع، عربات الأمن المركزى أمامى والجنود ينظرون لى من بعيد
أحاول الحفاظ على هدوئى.
أتحرك بطيئاً وأحاول أن أسرع دون أن يلاحظنى أحد
أشاور إلى أى تاكسى...لا يوجد تاكسى يريد أن يقف...
أخيراً واحد وقف
تحاملت حتى لا أتأوه بجانبه فى الطريق

دفعت له مبلغاً فلكياً.
لا أعرف كيف صعدت على السلم
فتحتُ باب الشقة وأنا اتسنّد على الحوائط...
أختى استيقظت من النوم بالمصادفة...
تنظر لى من نور الممر وهى مغمضة العينين....
تصرخ ثم تبدأ فى البكاء....
أبى يستقيظ....و... أنا بخير،
لا توقظوا ماما!


أخذت أرتجف طوال الليل فى الغرفة المظلمة
وكدت أن أبكى من الألم والمهانة
لكنى توقفت فجأة،
لسبب لا أعلمه حتى الآن


....

بقلم : مينا ناجي
يوم 25 يناير







.........

الأربعاء، 16 فبراير 2011

حضرة المحترم


عن أستاذي الفنان "عمر جهان"
............................


إذا كان هذا الجيل هو الذي قام بالثورة
فإن الأساتذة والمفكرين الذين شكلوا وعي هذا الجيل
هم الآباء الحقيقيون لها.


أرغب بتقديم أحد أبطال الثورة الذي لا يعرفه الكثيرون
ولا يدعي هو نفسه أية بطولة
إنه أستاذي الفنان التشكيلي "عمر جهان
"
الذي علمنا أن النور بانتظارنا كي نعبر إليه



كنا مازلنا طلبة في كلية الفنون الجميلة
حينما ذهبنا إليه في مرسمه للمرة الأولي
خائفين قليلاً
وحذرين من الغرباء

بمجرد دخلونا إلى المكان
غمرنا دف أكثر من عشرين لوحة معلقين على الجدران
واستقبالٌ طيب ومتواضع من فنانٍ كبير

بدأ الكلام عن الفن ولم ينتهِ
كنا مبهورين بعيونٍ لامعة نرغب بالاستزادة وبالمعرفة ...
مندهشين من هذا الرجل الذي لا يتعالى علينا ويناقشنا في بساطة
يحضر لنا ألبومات معارضه السابقة ويجيب عن أسئلتنا في صبر

أكواب الشاي التي كان يقدمها لنا كانت مختلفة جداً
ولا يمكن تقليدها

في إحدى المرات راقبناه وهو يصنع الشاي
كي نعرف سر هذا الطعم الخاص

ولم نعرف أبداً إلى الآن
لا زلت مصرةً أنه كان يضع قليلاً من المشاعر فيه قبل أن يقدمه لنا


صار المرسم هو المكان الذي نجتمع فيه كل إسبوع ...
بدأ عددنا في الازدياد
واتسعت حوارتنا من الفن إلى الحياة والأدب والثقافة
كنا نناقش رسوماتنا وحياتنا

هناك كنت أقرأ لهم ما أكتبه على استحياءٍ
وكان أستاذ عمر يؤكد أن ما أكتبه صالحاً للنشر

كنت أبتسم وأعرف أن أستاذي يجاملني
ولا أطمح بأكثر من قراءة ما أكتب لأصدقائي فقط








في معرضنا الأول* (أنا وأختي وصديقي)
كان أستاذ عمر يساعدنا في اختيار اللوحات المناسبة
ويدعمنا بعد أن كانت فكرته هي ضرورة عمل معرض لنا

كي نتورط في الرسم أكثر ونبدأ مشوارنا الحقيقي

كنا في هذا الوقت حديثي التخرج ولم نعمل بعد

فساعدنا أستاذ عمر في عملية تأطير اللوحات وتركيب الزجاج

ومسائل التركيب والنقل
ووفر لنا مساحة في مرسمه لوضع اللوحات وفرزها
ثم نقلها من هناك إلى أتيليه القاهرة


كنا نشكو له من الضياع لأن زملائنا سبقونا ...
تعينوا في وظائف أفضل ونحن لازلنا نبحث عن عمل
كان يقول لنا :( الحياة مسابقة في الرماية وليست مسابقة في الجري)
المهم هو أن نصيب الهدف
لا أن نصل إليه قبل أو بعد أي شخص

أستاذ عمر يؤمن بالمستقبل ويراهن عليه دائماً
يطلب منَّا أن نعمل بجدية ودأب
لأن الطريق الذي يبدو ضبابياً الآن سيمتلىء بالنور غداً


أتـذكر أنني في إحدى المرات دخلت في خلافٍ حاد مع عائلتي
وكنت منهارة تماماً أحكي لهم ما حدث
وأقرأ ما كتبته عن هذا الأمر

لم يكن من أستاذي إلا أن نظر إليَّ
وقال : هل تعتقدين أن شخصاً ضعيفاً ومنهاراً بإمكانه كتابة نصٍ بهذه القوة

اكتبي أو ارسمي ما يحدث
بإمكانكم دائماً تحويل الألم والضياع إلى فن
هذا هو الحل


أحياناً كنت لا أفهم ذلك ...
وأخرج من هناك غاضبة وأفكر أنني أحتاج كلاماً آخر

مثل أنني محقة تماماً وأسرتي لا تفهمني
ولكنه كان يبعدنا عن الخلاقات تماماً
ويضعنا في منطقة أخرى

يضعنا داخل الإبداع

وكأنه أرد أن يقول لنا معركتكم الحقيقية هنا

ابتعدوا عن إهدار الطاقة فيما لا يفيد

دائماً ما أتذكر نصائح أستاذي في مواقف كثيرة

ولازلت إلى الآن ألجأ إلى مشورته

إن كلام أستاذي الطيب استطاع أن يرعى شجرة أمل قوية

لا زالت تتفرع داخلي بل داخلنا جميعاً


عمر جهان هو الرجل اذي زرع داخلي وداخل أصدقائي
إيماناً عميقاً بالمستقبل وبالنور القادم
أنا افخر بأستاذي جداً
وأعرف أنني محظوظة لأنني أحد تلاميذه الكثيرين


لقد قامت الثورة يا أستاذ عمر
شكراً لوجودك في هذا العالم
...



........
للتعرف على أعمال الأستاذ عمر
موقعه على فليكر


* معرض خطوة واحدة - أتليه القاهرة 2001




........

الأربعاء، 9 فبراير 2011

بث مباشر من بيتنا

.


.




في ليلة 25 يناير كل اللي كنت فاهماه انهم هيعملوا مظاهرات في عيد الشرطة
بس كدة
والموضوع ده مكانش مهم بالنسبالي
لأني مش غاوية مظاهرات أو إن الطريقة دي في التعبير مش شبهي
أنا عندي طرق تانية تناسبني أكتر
غير إن لعبة السياسة بالنسبالي لعبة كل اللي فيها كدابين
ما علينا

في الليلة دي أنا كنت غرقانة جوه نفسي ...
جوه مشاكلي وحياتي والعبث اللي بيحصل جوايا

يوم 25 يناير الصبح كنت بتابع الأخبار ع الفيس بوك عااادي
على الساعة 5 كدة ابتديت اكتشف انه الحكاية بجد
ومش مجرد مظاهرات عادية هتقعد شوية وتخلص

على الساعة 6 ونص قررت ألبس وانزل
أخويا قعد يزعق ويصرخ ويحلف
(والله ما انتي نازلة اقعدي وانا هاجيبلك حقك)
كل اللي فكرت فيه انه عمره ما هيعرف يجيبلي حقي
حقي ده أنا اللي بجيبه لنفسي وبس

كان قدامي حل من اتنين
1 – اني اعمل خناقة بنت حلال كدة وبعدين انزل غصب وده كان الأسهل
2 – اني استنى واستحمل مشاعري واشوف إيه اللي هيحصل

استنيت في البيت وجوايا مشاعر بتغلي ....
شوية إحساس بالذنب لإني في بيتنا
وشوية إحساس بالضياع لإني كان لازم أتحرك من بدري
وشوية دموع على غضب شديد

على الساعة 8 كلمت أختي
قالتلي : ياغادة أنا كنت فاكراها الصبح مظاهرات عادية
بس دي طلعت ثورة بجد ... كل الناس في الشارع ... تعالي بسرعة

طبعاً حكيتلها اللي حصل وبعدين قعدت أتابع الأخبار بالتليفون وع النت
بقول لماما على اللي حصل ... قالتلي ليه كدة
هوة عملهم إيه
قلتلها الحياة غالية والناس مش عارفة تعيش ومش عارفين يشتغلوا أصلاً
قالتلي وهوة يعمل إيه الناس بتكتر ومفيش في إيده حاجة يعملها

قعدت افكر إزاي أشرحلها الحكاية دي
وأفهمها ان الأمر غير كدة
وانه دي مسئوليته ومسئولية الحكومة بالكامل
وبعدين قررت اسكت

تاني يوم كنت في الشارع مع إن اخواتي قعدوا يتريقوا عليَّ
- ثورة إيه يا بنتي
انتي بتهزري

معرفتش انضم لأي مظاهرة في الشارع
لإني معرفتش أوصل لأماكن التجمعات
بس كان يوم صعب أوي
ورجعت البيت بقى علشان أواجه الشماتة بتاعة
فين بقى الثورة اللي بتقولي عليها دي ؟
أنا كل اللي قولته : بتشمتوا فيَّ ليه ؟
أنا بحاول أعمل اللي عليَّ

اللي عليَّ ....
مكاني مع الناس، هي دي الحقيقة
مكاني في الشارع حتى وان كنت مش عارفة إيه هيحصل بكرة
ومش متأكدة من النتايج
أنا بس عارفة انه اللي بيحصل بقاله أكتر من 30 سنة غلط
ومش مظبوط




.....



الخميس 27 يناير
2011


.....

السبت، 5 فبراير 2011

الشعب يريد – الجمعة 28 يناير

.

.

خرجتُ من بيتي مدفوعةً برغبةٍ قويةٍ في المشاركة فيما يحدث
خرجت برغم رعبي الشديد وصراخ أمي واعتراض إخوتي
خرجتُ كي أذهب إلى ميدان التحرير مع الجميع
وحدي بكل الخوف أشحذ كل نسائي وأنزل إلى الشارع المشتعل

أمشي جوار الحائط ولا أنضم للمظاهرة
كي لا يأتي الأمن ويضربنا قبل الوصول إلي ميدان التحرير
فجأةً أجد ولداً أعرفه أذهب إليه وأسأله عن أخته ( صديقتي )
أجدها معه فأنضم للمظاهرة المتجهة للميدان

في هذه اللحظة أترك نفسي دون سيطرة
فيظهر الرعب والخوف مجسدين في ارتجافةٍ لا أحاول إخفائها
صديقتي تحاول أن تطمئنني ... تربت علىَّ كي أشعر بالأمان بينهم جميعاً
تقبض على كفي بقوة كي لا أضيع في الزحام

في ميدان عبد المنعم رياض الأمن يلقي علينا قنابل الغاز
القنبلة الأولى مؤلمة جداً وكل القنابل التالية عادية ومحتملة
الألم يختفي بعد وقتٍ قصير ... فقط علىَّ أن أتحمله قليلاً
الكرُّ والفرُّ والذهاب والعودة يستهلكاني بسرعة
أشعر بالإنهاك بعد ثلاث ساعاتٍ
أقرر العودة إلى البيت لأنني أعوق تقدم الشباب إلى الصفوف الأولى

أجد ولداً في أواخر العشرينات يجلس ليبكي وحيداً على الأرض
شاعراً بالقوة ليفعل ما يريد
منتهى الضعف = منتهى القوة

نساءٌ كثيرات يشبهن أمي يصرخن في الشارع ضد النظام ورجالٌ مسنون
الرعب لا يتراجع داخلي بل ينقسم ليملأني بالكامل
أخاف أن أتحرك من الميدان إلى البيت وحدي
رأسي تمتلىء بسيناريوهات مرعبة لما يمكن أن يحدث لي في الطريق

صديقتي تطلب من أحد أصدقائها أن يوصلني إلى اقرب مسافة ممكنة
نبحث عن الشوارع الجانبية كي نمشي فيها بأمان
ببساطةٍ أشبك ذراعي بذراعه ... أحتاج إلي حمايته ولا وقت لدىَّ للتفكير
موجةٌ من الحنان والدعم تنتقل لي من الرجل الذي لا أعرفه

- : أنا جبانة ... صح
- : لأ خالص كل واحد على أد طاقته ... كويس انك عارفة ان دي طاقتك وهتمشي
- : بجد
- : وحياة ولادي

يدلني على الطريق بين المساكن الشعبية المنتشرة
ويعطيني رقم بيته كي أتصل بأسرته وأبلغهم أنه بخير
أفترق عنه ولا يزال الخوف يملأني
بعد ثلاثة أمتارٍ
أطلب من أحد الشباب في الشارع أن يرافقني لأنني خائفة
لا يرحب بالأمر
مع ذلك يتمشى معي قليلاً قبل أن أشكره وأكمل طريقي وحدي

أتحمل مشاعر الخذلان والوجع والخوف على أصدقائي الذين تركتهم هناك
أصل إلى البيت مكسورةً تماماً
لا أخلع خوفي أبداً ... يظل معي حتى الصباح تقريباً

في الصباح أستعيد شجاعتي وإيماني بالمستقبل
أتصل بالجميع كي أطمئن عليهم

أحاول أن أشترك في المظاهرات بقوةٍ برغم اكتشافي صعوبة الأمر
مع ذلك أنا هناك مع الجميع


....

كُتبَ هذا النص
يوم الأحد 30 يناير 2011






.....